د.شريف بن محمد الأتربي
تُعتبر رحلة توصيل الطلبة من المدرسة إلى منازلهم عبر الحافلات المدرسية وبالعكس فرصة قيمة لتعزيز المعرفة وتنمية المهارات. فبدلاً من أن تكون هذه الرحلة مجرد وسيلة للنقل بلا أي فائدة سوى التوصيل في حد ذاته؛ يمكن استغلالها بشكل فعّال لتعزيز تجربة التعلم لدى هؤلاء الركاب من الطلبة والطالبات، وأيضا من المعلمين والمعلمات.
أكثر من 786.000 طالب ينتقلون من منازلهم إلى مدارسهم البالغ عددها أكثر من 19.655 مدرسة، من خلال أكثر من 42.000 رحلة مدرسية يوميا خلال الأسبوع الدراسي، في أكثر من 13 منطقة إدارية في المملكة. لا تشمل هذه الإحصائيات طلبة المدارس الأهلية، ولا طلبة المدارس العالمية، ولا طلبة مدارس الجاليات. (إحصائيات شركة تطوير للنقل المدرسي - رافد).
كل هؤلاء الطلبة يركبون الحافلات المدرسية لأكثر من ساعة أو ساعتين يوميا، مطلوب منهم فقط التزام أماكنهم والمحافظة على هدوئهم، وعدم إحداث جلبة أو مشاغبة، وغالبا ما ينام الكثير منهم، أو يلجأ من يملك منهم جوالا أو ما شابهه من الأجهزة الإلكترونية الحديثة إلى استهلاك الوقت في اللعب فقط، وربما تكون هذه الألعاب غير مفيدة.
خلال هذه الرحلة المتكررة يوميا ولمدة 180 يوميا دراسيا يمكن أن نستفيد منها في التعلم من خلال الحوار والنقاش، حيث يطرح مشرف أو مشرفة الحافلة - الُمعّد جيدا من قبل وزارة التعليم لخوض مثل هذه النقاشات، ويمكن الاستفادة من المتقاعدين وخاصة المعلمين - موضوعات للحوار تناسب جميع الأعمار المتواجدة في الحافلة، سواء كانت هذه الموضوعات دينية أو تاريخية أو وطنية، وخلال هذا الحوار يتم تبادل الأفكار والمعلومات لدى جميع الطلبة على اختلاف مستوياتهم مما يعزز العديد من المهارات، مثل التفكير الناقد، والاستماع، والحوار، والتعلم التعاوني، والعصف الذهني.
يمكن أيضا أن تجهز هذه الحافلات - بالتعاون مع وزارة الثقافة، وهيئة المكتبات - بمكتبات صغيرة تضم عددا من المؤلفات والقصص التي تناسب كافة الأعمار، ويمكن أن تكون القراءة موجهة، بحيث ترتبط بحدث ما، أو معلومة ما ترغب وزارة التعليم في نشرها بين الطلبة مع التأكد من وصولها إليهم. كما يمكن توفير مواد تعليمية مثل الكتب أو الألعاب التعليمية للطلبة أثناء الرحلة. يمكن أن تشمل هذه المواد موضوعات متنوعة، بدءًا من المعارف العامة إلى التاريخ والجغرافيا - حسب تصنيف ديوي للمعرفة - مما يُساعد الطلبة على الاستفادة من أوقاتهم في الحافلة بشكل أكبر.
توفر رحلة الحافلة اليومية فرصة لتطوير المهارات الاجتماعية لدى الطلبة، حيث يمكنهم التعرف على بعضهم البعض بشكل أفضل، مما يسهم في بناء علاقات صداقة قوية بينهم. كما يمكن تطبيق الأنشطة الجماعية، مثل الألعاب أو المناقشات والتي يمكن أن تُعزز من روح التعاون بين الطلبة، مما يساعدهم في تطوير مهارات التواصل، والتعاون.
يمكن أن تُشجع رحلة نقل الطلبة على التفكير فيما تلقوه من معارف ومهارات وسلوكيات خلال اليوم الدراسي، حيث يمكن أن يُطلب منهم مراجعة الدروس أو التفكير في الأسئلة التي قد تكون لديهم وطرحها على مشرف أو مشرفة الحافلة، خاصة مع تكدس الطلبة داخل الفصول، وعدم توافر الوقت الكافي لتفريد التعليم. هذا النوع من التفكير الذاتي يُحفزهم على أن يكونوا أكثر وعيًا بمسيرتهم التعليمية.
يمكن أن تكون رحلة توصيل الطلبة في الحافلات المدرسية أكثر من مجرد وسيلة للنقل، حيث يمكن استغلال هذه الفترة بشكل فعّال لتعزيز المعرفة وتنمية مهارات الطلبة بطرق مبتكرة وممتعة. لذا، ينبغي على وزارة التعليم، والمدارس بمختلف أنواعها، والمعلمين والمعلمات التفكير في كيفية تحويل هذه الرحلات إلى فرص تعليمية قيمة تُغني تجربة التعلم لدى الطلبة.