عادل المالكي
إن من نعم الله تعالى علينا لدوام ذكره وحُسن شكرهِ نعمة الأوطان هي الهوية والتاريخ والمجد والحضارة، بهذه المناسبة الطيبة التي يفخر بها كل مواطن ومقيم وتنم على التلاحم والوحدة والمحبة والإخاء تحت ظل قيادة رشيدة حانية وإن المحبة والانسجام بين القيادة والشعب من أعظم نعم الله تعالى علينا والتي يشهدها القاصي والداني ويستشعرها كل وطني أصيل والحديث عن الوطن لا يُمل ودواوينه لا تُخَل وإن من نعم الله علينا سبحانه ميزات وسمات الوطن التي هي مفخرة الحضارات وباكورة الثقافات ما تميز به القطاع القضائي السلطة الثانية، وحقيقة مرت بتحديات وتحديثات قانونية عبر الحقب التاريخية ما يتعلق بالتشكيل والاختصاص والولاية والتعيين وغيرها من تنوع الإجراءات وتطورها وكان من ذي قبل يعين القاضي بالتزكية دون الشهادة الجامعة في الشريعة الإسلامية وذلك بعد دراسته لمدة عشر سنوات لدى علماء نجد وإذا أثبت أهليته العلمية يرفع عبر مفتي الديار النجدية إلى مقام الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله تعالى- للنظر في تعيينه قاضياً في إحدى المدن أو المحافظات والمراكز وما يتبعها من هجر ولذلك لتولي أعمال القضاء في جميع الاختصاصات عدا القضايا الإدارية التي تتعلق بمخالفة الجهة التنفيذية وقد تضاف للقاضي أعمال كاتب العدل والمأذون الشرعي وقد يكلف بالإمامة والخطابة والدعوة والإفتاء والإشراف على رجال الحسبة وثم فصلت هذه الاختصاصات وشكلت الأنظمة والتعليمات القضائية والإدارية صلاحية كل جهة وقد صدر عام 1345هـ ما يتعلق بتحديث الإجراءات القديمة وسن نظام ترتيب الدوائر الشرعية وما يتعلق بتشكيل المحاكم وهيئة المراقبة القضائية.
ثم صدر عام 1347هـ تشكيل المحكمة الشرعية والمحكمة المستعجلة وتنظيم بعض مسائل الحجاج كإثبات الوفاة والتعامل مع تركات الحجاج ومتعلقاتهم وثم صدر عام 1349هـ ما يستدعي اجتماع أعضاء المحكمة للدراسة والمداولة وثم صدر عام 1350هـ أول قواعد لترتيب المرافعات وأورد فيه مسألة الإجازة بالوكالة لمزاولة مهنة المحاماة وكذلك مسائل الميراث وتركة الغائب، ثم صدر عام 1352هـ ما يتعلق ببعض الإجراءات القضائية من التعامل مع الوثائق وقضاء الأحوال الشخصية وصدر عام 1353هـ بعض التعليمات والتعاميم المنظمة لقضاء الباديه وأعمال المدعي العام ومسائل نزاعات العقار، ثم صدر عام 1354 هـ تنظيم مسائل الوقف وأحكامه وتسمية نظاره وعقبه بعام 1355هـ صدر أول نظام خاص لتنظيم المرافعات والنظر وإدارة الجلسة وطريقة الحكم وصفته ووسم بنظام المرافعات، ثم بعدها بعام 1356هـ صدر تنظيم أعمال بيع الوقف وإجراءات إثبات الوصية وبعض التعليمات المكملة في قضايا الرهن وأحكام العقوبات والديات وغيرها، ثم بعدها بعام 1357هـ صدر نظام تركيز مسؤولية القضاء الشرعي ونسخ نظام المرافعات القديم وتضمن باطنه أحكام الاختصاص والتنفيذ والوكالات وأعمال كاتب العدل وأعمال كاتب الضبط وإنشاء هيئة التدقيق.
أما ما يتعلق بقضاء المظالم: فكان الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- قد تولى النظر القضائي في ذلك مباشرة للفصل به قضاء، حتى شُكل ديوان المظالم في عهد الملك سعود -رحمه الله تعالى- فصدر المرسوم الملكي برقم (7/ 13/ 8759) وتاريخ 17/ 9/ 1374 وهـو أصبح جهة قضاء مستقلة لها رئيس وأعضاء قضائيون يسمون بأمر ملكي، وفي عام 1421هـ صدر نظام القضاء ونظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية ونظام المحاماة ونظام ديوان المظالم ونظام المرافعات أمام ديوان المظالم وهي باكورة وخلاصة للتجارب القانونية السابقة بعد مخاض قضائي وتشكل المجلس الأعلى للقضاء وحددت صلاحياته واختصاصه وسميت المحاكم المختلفة بدرجاتها محكمة التمييز والمحكمة الكبرى والمحكمة الجزئية ومن ثم في عام 1428هـ حُدِث نظام المرافعات الشرعية وشكلت المحاكم إلى جانب المحكمة العامة والمحكمة الجزئية، ثم في عام 1434 هـ شكلت المحاكم مجددا وفتحت المحكمة العليا بالرياض وسميت محاكم الاستئناف بالمدن الرئيسة بدلا من محاكم التمييز وتنوعت الاختصاصات للمحكمة العامة والمحكمة الجزائية والمحكمة التجارية والمحكمة العمالية ومحكمة الأحوال الشخصية ومحكمة التنفيذ وكل هذا التنوع القانوني البديع بدعم وتوجيه من القيادة الحكيمة -وفقها الله- وعناية فائقة بهذا المرفق القانوني العريق الذي مرَ بعدة مراحل تطورت عبر الحقب التاريخية المنظمة حسب العادة والعرف والمصلحة المرسلة التي أولتها قيادتنا الرشيدة -وفقها الله- وشكر الله لهم فضلهم وحرصهم الدؤوب على راحتنا وبذل كافة الوسع لخدمة هذا الوطن الكريم المعطاء الذي يدعم عجلة التنمية المستدامة وفق الرؤية الوطنية 2030م وهذا غيض من فيض ومقدرات ومنجزات الوطن لا تحصر في المقال والحمد لله رب العالمين.