«الثقافية» - عبد الله بن ناصر الداود:
أسامة المسلم، روائي وكاتب سعودي، نال مؤخراً جائزة الثقافة الوطنية في الأدب 2024م، واستطاع أن يوجد له مساحة كبيرة ضمن الروائيين السعوديين عبر أسلوب الفانتازيا، وأوجد له شعبية كبيرة من القراء في أنحاء الوطن العربي، كما ترجمت بعض أعماله إلى لغات مختلفة، وتحولت بعض أعماله إلى أعمال درامية.
جائزة الثقافة الوطنية
* بداية نبارك لك فوزك بجائزة الثقافة الوطنية في الأدب لعام 2024م، مع دعواتنا إلى مزيد من التفوق والنجاح.
- هذه الجائزة لها مكانة كبيرة وغالية بالنسبة إلي؛ لأنها تأتي من أكبر مؤسسة ثقافية في وطني، وأُهديها بدوري لقرائي الكرام ومن يستمتع بما أكتب، وهي دافعٌ لي للاستمرار وتقديم المزيد -بإذن الله.
إغلاق دور نشر
* ذكرت في لقاء سابق: إن القراءة لا تزال بخير، فكيف تصف إغلاق دور نشر وانضمام دور لأخرى والتخفيضات التي نشاهدها بين حين وآخر في المكتبات المعروفة؟
- أعتقد أنه لا يوجد علاقة بين الأمرين، فدور النشر التي تغلق أبوابها غالباً لا تواكب الحاضر الذي نعيش فيه ولا تعي المتغيرات الفكرية والفلسفية الطاغية بين شباب هذا الجيل سواءً في موضوعاتها أو حتى أسعارها أو تقنياتها، دور النشر هذه قد تكون ما زالت تصدر كتباً لزمن ولى وانتهى، ولذلك فهي تعرض سلعة غير مطلوبة، وبلا شك فإن هذا سيؤدي إلى أن تبور هذه السلعة على رفوفها، ومن المهم أن تحدث وتواكب الزمن والتطور، مثل أي شيء آخر في هذا العصر.
مبيعات الكتاب الورقي
* كيف يمكن لدور النشر أن تطور من أدواتها في ظل تردي مبيعات الكتاب الورقي؟
- عليها أولاً أن تطور من تقنياتها، ولعل جولة بسيطة على إنتاج دور النشر العالمية وحتى الإقليمية تعطيك فكرة إلى أي مستوى وصل الإبداع في الإخراج والتنضيد للكتاب الورقي، وكذلك يجب أن تفتح المجال لجيل الموهوبين من الشباب وليس الموهومين وأن تتخلى عن تمسكها بنشر نوع معين فقط من الكتابة يعود لحقبة زمنية عشاقها في انقراض مستمر، بل تنوّع من مخرجاتها، والجمع بين الإصدارات والتنوّع فيها أمر صحي سيطيل من عمر هذه الدور ويعمل على بقائها.
الفنتازية والخيال
* من خلال تتبع أعمالك أجد أن أكثرها مكونة من أجزاء، فهل هناك سبب لذلك؟
- المجال الفنتازي والخيال الذي أعشقه وأكتب فيه، في الغالب تجسيده يكون على شكل ملاحم طويلة تعتمد على عوالم واسعة جداً لا يحتويها جزء أو جزآن إذا كانت ستبنى بالشكل الصحيح، والفنتازيا كما تعلم أنواع، فهناك الضخمة، وهناك المتوسطة الحجم، وهناك الصغيرة، لكن المتعة التي أفضلها تأتي من الاستثمار في تلك العوالم وبنائها على نحو مكثف ومفصل وشخصيات متعددة ومعقدة، ومع ذلك أحببت التنويع والوصول للقراء الذين لا تستهويهم السلاسل الطويلة، ولذلك لي أيضاً إصدارات تتكون من جزأين وجزء واحد وروايات قصيرة لا تتجاوز 200 صفحة، بل لي أيضاً مجموعات قصصية تحتوي على قصص لا تتجاوز الصفحة الواحدة.
التأثر بالأدب الانجليزي
* كل روائي لا بد أن تأثر بروائي قرأ له، فمن الروائي الذي تعجبك كلماته؟
- أقرأ للكثير وأعجب بالقليل، وبالمناسبة أحب قراءة الشعر ولا أجيد كتابته، قراءتي الروائية متنوعة ومتعددة والأجنبية منها أكثر من العربية بحكم تخصصي في الأدب الإنجليزي، لكن أصدقك القول فأنا لم أتأثر بأي كاتب سواء أجنبياً أو عربياً لإيماني اليقيني أن ذلك الإعجاب لا بد أن ينعكس على أسلوبي وأفكاري في الكتابة، وسيجعل مني نسخة مشوهة من ذلك الكاتب مهما كان ناجحاً، وأنا لا أحبذ ذلك، بل أنفر منه، فالتفرد والتميز والأصالة بالنسبة لي هاجس.
أصداء ترجمة الروايات
* ترجمت بعض أعمالك إلى لغات مختلفة، حدثنا عن ذلك؟ وهل وجدت صدى مماثلاً؟
- حدثت أصداء إيجابية ومرضية جداً بالنسبة لي ولله الحمد، ففي الصين بيعت نسخ بأعداد كبيرة من رواية بساتين عربستان بعد ترجمتها إلى اللغة الصينية، وهناك نية أيضاً لترجمتها إلى لغات عالمية أخرى، وبالمثل وصلتني أصداء مشجعة وعظيمة للنسخة الإنجليزية لكثير من إصداراتي التي ترجمتها بالكامل تقريباً للغة الإنجليزية، وتلك الأصداء بالنسبة لي ليست بالأعداد، بل بالانطباع وإلى الآن أغلب الانطباعات التي تصلني من القراء الأجانب إيجابية؛ لأنهم يفهمون الفنتازيا على نحو صحيح ويعرفون معناها ويستمتعون بها ويفهمون الغرض منها ولمن توجه إليه، ولا يحملونها ما لا تحتمل أو ينصبون لها المحاكمات في مقارنات أقل ما يقال عنها أنها مضحكة مع أغراض روائية أخرى تختلف في بنائها سواء كانت فلسفية أو درامية أو تاريخية أو أدب سجون أو غيره.
العمل الروائي والسينما
* تحويل الأعمال الروائية والقصصية إلى أعمال درامية، هل ترى أن ذلك في صالح العمل الورقي؟ وهل سيكون لك دور في تعديل ما تراه يخالف ما كتبت؟
- العمل الروائي ليس في منافسة أو مواجهة مع العمل الدرامي فكلاهما تعبير فني مختلف قد يعززان بعضهما لكن لا ينقصا من بعضهما بعضاً، العمل الدرامي هو تصور جديد لنفس القصة سواء كانت مستوحاة منها أو مبنية عليها، ولا شك أن هناك معالجة درامية قد تأخذ بعض القصص وتتوسع بها أو تختصر بعض القصص الموسعة في الرواية كي يلائم ذلك عرضها على الشاشة وأنا أتفهم ذلك تماماً.
العمل التلفزيوني الدرامي أو حتى السينمائي ما هو إلا نكهة جديدة ووجهة نظر مختلفة يستمتع بها القارئ وغير القارئ، لكن من الممكن أن أتدخل وأبدي وجهة نظري إذا وجدت أن العمل قد نحا بعيداً أو همش الرواية الأصلية وخرج من الإطار العام لها.
الثناء والشهرة
* عندما كنت في بداياتك الكتابية، هل كنت تتوقع يوماً أن تحصل على الثناء والشهرة التي وصلت إليها الآن؟
- في الحقيقة الشهرة لم تكن هاجساً لي في يوم من الأيام، ولم أسع لها أبداً، بل إني وضعت اسماً مستعاراً عند تقديم أول إصدار لي حتى لا يتعرَّف عليّ أحد، لكن طُلب مني وضع اسمي الحقيقي لإكمال إجراءات الفسح والطباعة، وأصدقك القول لا يزال هذا الأمر في آخر اهتماماتي، كل ما أصبو إليه هو تقديم أعمال تلقى قبول الناس وإعجابهم ولا سيما الشباب منهم وتعيدهم إلى القراءة الورقية مرة أخرى، فما يسعدني هو شهرة نصوصي وإصداراتي وانتشارها أكثر من شهرتي الشخصية، لكن أحياناً لا يمكن الفصل بينهما، والحمد لله يوماً بعد يوم بتوفيق من رب العالمين أزداد انتشاراً وقرائي يزدادون عدداً من كل الأعمار والأجناس والبلدان وهذا أعده مؤشراً لي بأنني إن شاء الله أسير على الطريق الصحيح.
المقاهي الأدبية
* انتشار المقاهي الثقافية قربت المسافة بين الأديب والقارئ، كيف ترى مستقبلها وكيف يمكن تطويرها؟
- أعتقد أن المقاهي الثقافية هي خطوة موفقة ومشكورة لوزارة الثقافة، وفي الاتجاه الصحيح لنشر الوعي بالقراءة والثقافة بين الشباب، وهم السواد الأعظم من مرتادي هذه المنتديات، أيضاً هي في البداية وتطويرها يكون بالتوسع أكثر في المساحة الإبداعية والتنوع في دعوة الضيوف ومجالاتهم والعمل على نقل الحدث عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ليصل إلى أكبر عدد من الجمهور.
التحرير الأدبي
* ما مدى حاجة الروائي العربي إلى مهنة المحرر الذي يعمل على سد فراغات العمل القصصي وتطوير شخصياته، والرفع من قوته؟
- ما أنا مقتنع به هو أن التدخل في التعبير الإنساني هو مجرد تغيير وجهة نظرك إلى وجهة نظر شخص آخر، إذا كنا نتحدث عن التحرير اللغوي لبعض الكلمات أو التصحيح الإملائي والنحوي فلا شك هذا مطلب مهم والجميع في حاجة إليه، لكن إعادة صياغة العبارات كاملة وتطوير الشخصيات وما إلى ذلك ما هو إلا فرض جمالية شخص آخر على جمالية الكاتب، ويجب أن ندرك ونؤمن أن النقص في بعض الأحيان هو جمال بحد ذاته وليس كل ما هو مكتمل ومثالي يكون جميلاً، فالقمر جميل في كل حالته سواءً كان ناقصاً أو مكتملاً، والعيون التي في طرفها حور ٌ هي أشد جاذبية وجمالاً من العيون السليمة، القصد يجب أن نفهم أن قولبت الأساليب بشكل واحد ومحدد لا يجب الخروج عنه يحرمنا التفرد والتميز، ويجب أن ندرك أن بعض النقص جمال والجمال يأتي من الاختلاف.