د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
المساحات البيضاء الوحيدة التي تحتاج إلى بصيرة في منظومة التعليم هي قاعات الدرس؛ فالخطوة الأولى المحافظة عليها حتى لا تكون مسطحات دون تضاريس؛ مجهولة المنتج والنتيجة فقضية الجلوس خلف المقعد الدراسي لساعات والاستماع للامام دون حراك قضية لا بد من صياغات مختلفة لشروطها وفك طلاسم الوقت المقدس المسمى بالحصص ليكون ذلك الوقت متكأ لعقول الأجيال وقدراتهم؛ وأن تكون هناك أسس ومنطلقات وأهداف واضحة نحو الفصل الدراسي تقوم على تغيير فلسفة التعلم وأساليب التلقي؛ وترقية مقاييس التقويم؛ التحصيلي وإسنادها للمؤثرات المحيطة بالطلاب، ويجب أن يكون التصنيف الشامل لكل عناصر التعليم ومكوناته استراتيجية أولى للإصلاح فالنطاق الإشرافي واسع مترامٍ وهناك حتما فوارق وثقافات مختلفة تتعامل مع المعطيات والتشغيل؛ وهناك بيئات تعليمية قد بلغت سن الرشد فلو تحولت تلك البيئات ْ إلى داعم ومساند لمن دون ذلك من البيئات لكان في ذلك تركيز وترشيد وانتقال مباشر للفصول الدراسية؛ والتصنيف الرامي للإصلاح حتما يدعمه تحليل دقيق للمخرجات والنتائج عامة، ثم ربط ذلك بكل علائق الطلاب أسريا ومجتمعيا وثقافيا واقتصاديا؛ وتختلف أهمية كل علاقة وفق النطاقات الجغرافية والمكوّن السكاني، وباختصار فإنّ الجرعات الداعمة يجب أن تكون بمعايير مختلفة ولمعايير مقننة وواضحة وفق مقتضى الحال؛ وقد كثرت المصانع التي تصب في المدارس فضعف الإنتاج، فكانت تربية زجاج البلّور هي الأعلى في تصنيف المجتمع وإن كانت نواتجها أبناء للزينة! وحتى نضمن الانفتاح العقلي واليقين الوجداني عند الطلاب بأن التعليم بالنسبة لهم هو الشعور الحقيقي بالاستقرار فإنه من المؤسِسَات الأكيدة جدارة المحتويات المعرفية؛ فبها ومنها نختصر كثيرا من الحكايات في مجال التعلُّم، وهي تمثل الدعم الذاتي للطلاب، وربما جاز لنا أن نقول إن فقد الدعم الذاتي المتميز في المحتوى المعرفي عند الطلاب دفع الكثير منهم للتوجه للدعم الاجتماعي الذي اختلفتْ منابعه وبعضها دون رقابة، فلابدّ من إطار محكم للمحتويات المعرفية يمنع التسلل خلالها والعبث فيها، وأن تكون في مضامينها أطواق نجاة، ومسارات تقدُّم، تجعل الطلاب يؤمنون بالقيم والمبادئ، يحيطها أسلوب من التعلّم الأكفأ والأقدر؛ وفي مقابله تعليم أقل، مما يعني أن المحتويات يجب أن تركز على الأسس، وألا يُعزل الطلاب عن واقعهم تحقيقا لمشاركتهم في مفاصل التنمية، إضافة إلأهمية تفعيل دور التفكير النقدي وجعله حلقة أساس في بناء المحتويات المعرفية، فإن سرق الأضواء فهناك أمل وعمل، وإن توارى فالمعرفة العميقة المتجددة لا تنمو في بيئات مزيفة، وتحتم الحاجة تصميم محتويات معرفية تحتكم للعقل وتنأى عن التعصب للتراث المجرد، وأن يقدم الموروث فيكون محفزاً للإبداع والتألق ومنجزاً واقعياً يعج بالفضائل الخارقة لتشكيل نطاقات من المناعة الحقيقة وليست المصنوعة، وزرع السلام الحقيقي في أعماق النفس لدى الطلاب، فاجترار الحقائق من سابق إلى لاحق لا تُنبت كلأ ولا توقد قبساً إذا لم يكن هناك معامل لاكتشاف الحلقة الأضعف في سلسلة البناء ومن ثمّ إصلاحها؛ ومن ممكنات الوصول الحقيقي للفصول الدراسية دون وسائط تكشيف قنوات التعليم الموجودة فهناك دوائر تتنازع السلطة أغرق تنافسها المدارس، ولجان أسنت تغلبها وسائط التقنية جودة وانتاجا، ولكي يصبح التعليم حصاداً نضراً يلزمنا ربط خرائط التعليم وقنواته بما يتحقق للطلاب داخل قاعات الدرس فحسب، وما دون ذلك فهي أرائك صُنعت للزينة، ولأن الفصول الدراسية هي فضاءات المعلمين وأن أثرهم يعادل أضعاف الأدوات الأخرى المحيطة بعمليات التعلُّم، وأنهم أساتذة يجب أن تقام لهم مظلات التخصص والتخصيص، ولا بد لهم من استراتيجيات عليا لا تُحيّد اللوائح عنها، وأن تُصنع لهم أسباب التميز بعمق التكوين المعرفي ووجود الحوافز التي تحركهم نحو الاتجاهات المشرقة، وأن تكون مهنة التعليم تاجٌ يتنازعون ارتداءه، وأنهم حتماً سيملكون القدرة على التحول إذا ما كانت لديهم الرغبة وما زال لأحاديث التعليم بقية!