د. محمد بن يحيى الفال
اللغة العربية لغة القرآن الكريم لغة لا مثيل لها في القدرة على الوصف بحصيلة مفردات تصل إلى أكثر من 12 مليون كلمة، وهو ما يعني تفوقها على اللغة الإنجليزية بما يتجاوز 25 ضعفا، وعندما يتعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 فلعل الوصف الأدق لها مقولة العرب» ثالثة الأثافي» تنطبق عليها جملة وتفصيلاً. فالأثفية هي الحجارة الثلاث التي يوضع عليها قدر الطبخ، وتعني بها العرب مجازاً اكتمال الأمر وبإسقاط هذه المقولة العربية على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخامس من شهر نوفمبر نرى بأن ثالثة أثافيها، أو بالأحرى أهم القضايا التي تركزت عليها حملات المرشحين هي ثلاث قضايا جوهرية: الاقتصاد، الإجهاض والهجرة. وقبل الخوض في مواقف المرشحين في هذه القضايا التي أضحت شعار الحملات الانتخابية الرئاسية لكل من المرشحة عن الحزب الديموقراطي كاميلا هاريس نائبة الرئيس بايدن والمرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الأسبق, فلابد هنا القول بأن هذه الانتخابات تجرى في أجواء مشحونة وغير مسبوقة من الاحتقان السياسي والإعلامي والذي تساهم في إشعاله منصات التواصل الاجتماعي غير المنضبطة في بلد يضع التعديل الأول في دستوره والمتعلق بحرية الدين والتعبير كأحد أهم بنود الدستور التي لا يمكن بأي حال من الأحوال المساس بها، وعليه وكما شاهد العالم رأينا كيف آلت إليها الأمور بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية سنة 2020 والتي وصلت ذروتها في اقتحام دراماتيكي لجماعات من المحتجين على نتائجها للكونجرس الأمريكي, معقل الديمقراطية الأمريكية.
عقد الحزب الجمهوري مؤتمره العام في منتصف شهر يوليو في مدينة ميلووكي بولاية ويسكنسن في رمزية واضحة كونها الولاية التي شهدت ولادة الحزب وفي هذا المؤتمر نال الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، وكما كان متوقعا ثقة الحزب والقي خطاب قبول ترشحه وهو يضع ضمادات على أذنه من جراء أصابته بطلق ناري في محاولة اغتياله الأولي التي تعرض لها في13 يوليو وهو يلقي خطابا انتخابيا في مدينة بتلر في ولاية بنسلفانيا، أحد أهم ولايات التنافس للفوز بالرئاسة.
المحاولة التي نجي منها بأعجوبة رافعا قبضة يده داعيا مناصريه بعدم التوقف عن النضال (Fight, Fight, Fight). التي أصبحت لاحقاً شعاراً لحملته الانتخابية مع شعار» لنعيد عظمة أمريكا»، Make America Great» Again». حدث كل هذا بفارق يومين فقط من تاريخ انعقاد المؤتمر العام للحزب الجمهوري ومع ذلك فالإصابة لم تمنع الرئيس ترامب من حضور مؤتمر الحزب وإلقاء كلمته بقبول الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية، وفي رمزية ذكية منه عاد مرة أخرى لعقد خطاب انتخابي في نفس البقعة التي تعرض فيها لمحاولة الاغتيال الفاشلة في 6 أكتوبر، ولكن هذه المرة كان مصحوباً بالملياردير الأمريكي آلون ماسك مالك شركة تسلا للسيارات الكهربائية وشركة سبيس أكس لاستكشاف الفضاء، ومنصة أكس تويتر سابقاً والذي رفع الحظر الذي فرضته منصة تويتر على الرئيس ترامب بعد أحداث اقتحام الكونجرس بعد إعلان نتائج انتخابات 2020 الرئاسية والتي خسرها ترامب.
يروج ماسك لإعادة انتخابات ترامب في انتخابات 2024 واضعا كل استراتيجيات أعماله في دعم حملة ترامب ومن ذلك جائزة يومية بمبلغ مليون دولار للناخبين الذين يوقعون على عريضة لدعم التعديلين الأول والثاني في الدستور الأمريكي هذا في ظهارها وفي باطنها هو تحفيز الناخبين للتصويت لترامب وهو الأمر الذي شهد استهجانا واسع النطاق حتى بين الجمهوريين بكونه ينتهك القوانيين الفيدرالية التي تجرم شراء الأصوات الانتخابية، وقد ترتد هذه الخطوة سلبا على حملة ترامب وقد يكون لها كذلك تبعات قانونية كبرى في قادم الأيام. بالكاد مر شهران على محاولة اغتيال ترامب في بنسلفانيا ليتعرض لمحاولة اغتيال ثانية في 15 سبتمبر في ناديه الدولي للغولف في مدينة بالم بيتش بولاية فلوريدا، وكما هو معروف قُتل المهاجم في المحاولة الأولي وتم القبض على المهاجم في المحاولة الثانية وصرح ترامب وفي أتهام خطير بأن خصومه السياسيين هم من وراء محاولات الاغتيال التي تعرض لها.
الديموقراطيون عقدوا مؤتمرهم العام في شيكاغو بولاية إلينوي في الأسبوع الثالث من شهر أغسطس، مؤتمر حاشد سبقه تطور أسعد كل أقطاب الحزب وذلك بعد إعلان الرئيس جو بايدن في 21 يوليو عن انسحابه من السباق الرئاسي، وذلك عقب الأداء المخيب للآمال في المناظرة الرئاسية الأولي بينه وبن الرئيس ترامب في أواخر شهر يونيو في أستوديوهات شبكة سي إن إن بمدينة أتلانتا بولاية جورجيا. تأكد لدى قادة الحزب بأن فرص بايدن للفوز بولاية ثانية مهمة شبه مستحيلة، تطور عززه نتيجة المناظرة بتفوق واضح للرئيس ترامب الذي بدأ واثقا من نفسه ومشككا في كل إنجازات إدارة بايدن، وزاد الطين بلة الزيادة الواضحة من خلال بيانات الاستفتاء في نسب الناخبين الراغبين في انتخاب ترامب بعد نجاته من محاولة الاغتيال التي تعرض لها. أتضح جلياً صواب قرار الرئيس بايدن بالانسحاب من السباق الرئاسي ومساندته لنائبته كاميلا هاريس، وذلك من خلال التدفق الهائل للتبرعات لحملتها الانتخابية بمبلغ بلغ أكثر من 81 مليون دولار خلال الأربع والعشرين ساعة التي عقبت خطابها بقبول ترشيح حزبها وهو رقم يعتبر غير مسبوق ولم ينله مرشح رئاسي في السابق وبمجموع فاق 450 مليون دولار من المبالغ المتبرع بها والتي حصلت عليها حملتها الانتخابية. وكما أن للرئيس ترامب شعاره الانتخابي وجدت نائبة الرئيس ضالتها في مواقف ترامب من مشروع 2025 المشروع الهادف لتغيرات شاملة في دور السلطة التنفيذية وخصوصا فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية لأمريكا وحل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، وذلك في حالة فوز الجمهورين في الانتخابات الرئاسية وعودة ترامب للسلطة، وعليه فشعار هاريس المناهض لمثل هذه الأيدولوجيات هو «نحن لن نعود للوراء»، «We are not going back»، شعاراً أضحى المحرك الجوهري لحملتها الانتخابية.
بيد أن هناك تساؤلا مهما وفي محله بخصوص حظوظ هاريس بالفوز وهو: هل أمريكا جاهزة لوضع ابنة مهاجرين ومن أصول أفريقية وامرأة في منصب الرئاسة، حيث لم يسبق لامرأة ومنذ نشأة أمريكا تولى هذا المنصب!
الاقتصاد ومعاناة الأمريكيين من التضخم الذي يأكل الأخضر واليابس وفي بلد يعد قلعة الرأسمالية العالمية وكما هو متوقع يعتبر المحرك الرئيس في خطط وحملات كل مرشح طامح في الوصول لسدة الحكم في أمريكا، وعليه أعلن كل من المرشحين ترامب وهاريس عن خططهما للنهوض بالاقتصاد وكل منهما يزايد على الآخر حول خططه في حالة نيله ثقة الناخبين. بيد أن كليهما ترامب وهاريس أعلنا عن نيتهما بإلغاء الضرائب على الإكراميات التي يحصل عليها العاملون في المطاعم. استطلاعات الرأي تشير بأن هناك نسبة أعلي من الناخبين تثق في قدرة ترامب في دفع عجلة الاقتصاد مقارنة بمقدرة هاريس على ذلك. ومع قول ذلك نرى وعود هاريس خلال الحملات الانتخابية تفوق وعود ترامب والذي وعد بتخفيضات في الضريبة المدفوعة لشراء السيارات لدعم صناعة السيارات الأمريكية بينما تدغدغ هاريس حلم الكثير من الأمريكيين بامتلاك مسكن العمر والذي أضحي بعيد المنال مع الارتفاع المتزايد في قيمتها بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
من هذا المنطلق تعد هاريس ببناء أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية بالتعاون مع المطورين العقاريين تكتمل مع نهاية فترة رئاستها الأولي في حالة فوزها وكذلك وضع العديد من البرامج الاقتصادية لدعم الأسر المتوسطة.
الإجهاض، ثاني أهم القضايا التي ركزت عليها الحملات الانتخابية وهو من أهم القضايا الخلافية العميقة بين الأمريكيين. قضية متجذرة في عقول الأمريكيين لخلفيتها الأخلاقية والمثيرة للجدل بينهم، تخبو وتطفو للسطح بين الفينة والأخرى عادت قضية الإجهاض مرة أخرى للسطح بقوة بعد أن ألغت المحكمة العليا قبل أكثر من سنتين حكما صدر في 13 ديسمبر 1973 يحمي حرية المرأة الحامل في اختيار الإجهاض، وهو الأمر الذي يعطي كل ولاية حقها في فرض ما تشاء من قوانيين خاصة بها في قضية الإجهاض وهو الأمر الذي قوبل بتنديد شديد من الغالبية العظمي من النساء الأمريكيات.
موقف ترامب من الإجهاض ضبابي لحد ما فهو يرى بأن لكل ولاية حقها في فرض قوانينها فيما يخص الإجهاض وهو موقف تغير لاحقاً في نقده لولاية فلوريدا لنيتها فرض حظر على الإجهاض بعد مرور ستة أسابيع على الحمل وتأكد موقف ترامب الضبابي من قضية الإجهاض بشكل غير مباشر في مقابلة تلفزيونية مع زوجته ميلانيا التي صرحت بانها لا ترغب في تدخل الدولة في قرارات تتعلق بجسدها. في قضية الإجهاض وجد ترامب نفسه بين أمرين احلاهما مر، الأول هو لا يرغب في إغضاب نخابيه من الإنجيلين الرافضين للإجهاض والذين يشكلون نسبة كبيرة ممن سوف يصوتون له وكذلك فإن تأييده للإجهاض معناه بان قطعاً سيخسر الكثير من أصوات النساء الأمريكيات.
تتفوق نائبة الرئيس هاريس في هذا المحور كونها داعمة حسب رأيها لحق كل أمرأة في جسدها وبحقها بالإجهاض متي ما قررت ذلك وعليه فهذا الموقف سوف يمنحها الكثير من أصوات النساء وهي كذلك غير مهتمة بخسران أصوات الغالبية العظمي من الإنجيليين المحافظين والمتمركزين حول حزام الإنجيل بشقيه الأول الجنوبي الممتد من ولاية ميزوري حتى ولاية الألباما وشقه الثاني في وسط الغرب الأمريكي والممتد من ولاية فرجينيا حتى ولاية فلوريدا والذين يصوتون غالباً للحزب الجمهوري.
الهجرة هي ثالث المحاور التي دارت حولها الحملات والتجمعات الانتخابية لكلا المرشحين وهي قضية ذات شجون لقطاع عريض من الأمريكيين الغاضبين من تسلل أعداد غفيرة من المهاجرين الغير شرعيين لداخل بلدهم عبر حدودهم الجنوبية مع المكسيك.
عندما يتعلق الأمر بمحور الهجرة يتضح بان ترامب يضعه كأحد أهم الركائز التي يستند إليها وورقته الأهم للفوز بالانتخابات ويستثمرها بامتياز فهو يردد في كل تجمع انتخابي بأن المهاجرين غير الشرعيين يهددون أمن الأمريكيين واصفاً المهاجرين بدون صفة قانونية بأنهم حيوانات وليسوا بشراً بادئ القول وبأنهم يحتلون مدنا أمريكية كما هو الحال من احتلال مهاجريين من هايتي لمدينة سبرينغ فيلد بولاية أوهايو، مدعياً بأن الحال وصل بهؤلاء المهاجرين الغير شرعيين بأنهم قاموا بأكل الحيوانات الاليفة لمواطني المدينة وهو الأمر الذي أكده كذلك شريكه لمنصب نائب الرئيس السيناتور جيمس فانس عن ولاية أوهايو في مجلس الشيوخ. كانت نتيجة هذه الادعاءات الذي ثبت عدم صحتها الكثير من المشاكل والتهديدات للمدينة وسكانها وللمهاجرين القاطنين فيها وأتضح بأن غالبيتهم شرعيين، وتكمن المفارقة هنا بأن كل من ترامب وفانس زوجاتهما من المهاجرين فالأولي مهاجرة من سلوفينيا والثانية أبنه لمهاجرين من الهند وكذلك فهاريس هي الأخرى أمها مهاجرة من الهند ووالدها مهاجر من جامايكا، ولعل التصريح الأكثر دراماتيكية والذي أطلقه بخصوص المهاجرين الغير شرعيين بأنه حال توليه مقاليد السلطة مجدداً سوف يقوم بأضخم عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة لكل المهاجرين الغير شرعيين والتي تشير الكثير من الإحصائيات بأن عددهم يتجاوز 11 مليون مهاجر غير شرعي. ومع قول هذا فلاشك بأن الهجرة الغير شرعية مشكلة مزمنة وعصية على الحل خصوصا بأن أمريكا تمنح فرصغ لا مثيل لها للهجرة الشرعية إليها وتعتبر الدولة الأفضل في هذه الناحية والأكثر منحاً لتأشيرات الهجرة للإقامة الشرعية على مستوي العالم برقم يصل إلي في حده الأقصى إلي 650 ألف تأشيرة هجرة سنوية غالبيتها لجمع الشمل العائلي وفرص للعمل ومنها كذلك 55 ألف تأشيرة قرعة تمنحها الولايات المتحدة سنوياً للمهاجرين من شتي أصقاع العالم. ويتضح نجاح تكتيك ترامب في استخدام ورقة الهجرة تقدمه الواضح على منافسته هاريس في ولاية حدودية محافظة هي أريزونا المحاذية للمكسيك والمتضررة من أعداد المهاجرين الغير شرعيين الذين يتسللون إليها عبر الحدود. في المقابل تؤكد هاريس دوما خلال جولاتها ولقاءتها الانتخابية بأن ترامب يستخدم ورقة الهجرة فقط من أجل مصالحه الخاصة مؤكدة بأنها كانت دوما تقف مواقف صارمة في تجريم عصابات الهجرة الغير شرعية والمتاجرين بلبشر ومهربي المخدرات عبر الحدود مع المكسيك خلال عملها لسنوات كمدعي عام لولاية كاليفورنيا والتي هي الأخرى ولاية حدودية مع الجارة المكسيك مذكرة الناخبين بأن ترامب الذي يتغنى بورقة الهجرة هو نفسه من أسقط قانون الحد من الهجرة الشرعية في منتصف 2018 وهو القانون الذي أقترح تمويل فيدرالي لبناء جدار حدودي عازل مع المكسيك وزيادة كبيرة في إعداد الشرطة الحدودية. وفي خطوة تدل على كون ورقة الهجرة الغير الشرعية هي الأهم في برنامج ترامب الانتخابية أعلن في الأسبوعين التي تسبق يوم الاقتراع في الخامس من نوفمبر على ضرورة تفعيل المادة رقم 1798 والتي تسمح للرئيس بترحيل وسجن كل المهاجرين الغير شرعيين الذين تزيد أعمارهم عن 14 سنة، وكذلك رفع مدة الانتظار لمنح الجنسية الأمريكية للحاصلين على الإقامة الدائمة من 5 سنوات الي14 سنة.
لم تخلو الحملات الانتخابية الرئاسية 2024 من الكثير من التشنجات والشخصنة والاتهامات المتبادلة بين المتنافسين سواء على كرسي الرئاسة او نائب الرئيس وكان وكما هو متوقع أكثرها صادر عن ترامب المعروف بسلاطة اللسان وسببت له الكثير من المشاكل، فقد شككك في كون هاريس تنتمي للعرق الأسود بادئ القول وبأنها متخلفة عقلياً وبأن إدارة بايدن وهاريس سرقت المساعدات التي قررتها الحكومة خلال إعصار هيلين وأعطتها للمهاجرين الغير شرعيين عوضاً عن المتضررين مع سوء إدارة في مواجهة تبعات الإعصار الذي تبعه إعصار ميلتون في أقل من شهر، بيد أن وكالة إدارة الطوارئ الأمريكية (FEMA) وهي الإدارة الفيدرالية المسئولة عن مواجهة تبعات الكوارث الطبيعية على المستوي الوطني كذبت كل هذه الادعاءات وبثت على موقعها الإليكتروني جهود الحكومة الفيدرالية في مواجهة تبعات الإعصارين والمساعدات المقدمة للولايات المتضررة وفي تجمع انتخابي. وبلغة المبالغة اتي يجيدها حذر ترامب من مخاطر العدو من الداخل وبأنه أكثر خطورة على الولايات المتحدة من الصين وروسيا .
في المقابل تحدت هاريس مقدرة ترامب على نشر سجله الصحي كما فعلت هي ووصفته في المناظرة الوحيدة التي جمعت بينهما بأنه عار على أمريكا وطلبت مناظرته مرة أخرى مؤكدة بأنها تعرف كيف تتعامل مع أشخاص مثل ترامب وبأنه مختل عقلياً مؤكدة بأن مستشاريه نصحوه بعدم مناظرتها مرة أخرى وعليه فقد أعتذر عن المناظرة وبأنه لا طائل منها بكون التصويت المبكر قد بدأ فعلياً في العديد من الولايات. المرشحان لمنصب نائب الرئيس فانس السيناتور الجمهوري عن ولاية أوهايو وفالز الديموقراطي حاكم ولاية مينيسوتا وصف الأول الأخير بغريب الأطوار بينما وصف فالز غالبية السياسيين الجمهورين الذين يظهرون في وسائل الإعلام بأنهم غريبي الأطوار ليرد ترامب بأن فالز شخص معتوه وبعيداً عن هذه المشاحنات فقد سجل فالز نقطة غاية في الأهمية خلال مناظرته مع فانس، عندما سأله إذا ما كان يعتقد بأن ترامب خسر انتخابات 2020 أو خلاف ذلك، وهو السؤال الذي رفض فانس الإجابة عليه راداً بجواب دبلوماسي بأنه علينا التركيز على المستقبل عوضاً عن الحديث عن الماضي.
لا يختلف اثنان بأن انتخابات 2024 الرئاسية تجرى في ظروف غير عادية واحتقان سياسي غير مسبوق وحظوظ كلا المتنافسين متقاربة إلي حد كبير، فوز هاريس على ترامب لن يكون بالأمر السهل فمع كل التقلبات التي واجهها ترامب في حياته السياسية مازال المفضل لدي قطاع كبير من الأمريكيين وصل بالبعض بالاعتقاد بأنه مرسل من الله والمخلص القادم، وذلك بغض النظر عن أنه في انتظار حكم قضائي ضده في نهاية شهر نوفمبر القادم بعد إدانته في 35 تهمة في قضيته لإسكات بائعة الهوى ستورمي دانيال، وكذلك فهو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تعرض لإجراءات العزل مرتين خلال فترة رئاسته ويواجه قضايا أخرى مازالت قيد التحقيق أهمها قضية سوء تعامله مع الوثائق السرية بلائحة أتهام مكونة من 40 تهمة جنائية يقود التحقيق فيها بضراوة المدعي العام الخاص جاك سميث.
لعل المفاجأة الكبرى التي قد تؤثر في حظوظ ترامب في الفوز بمنصب الرئاسة هو ما صرح به جون كيلي والذي عمل مع ترامب لمدة سنة ونصف كمدير لموظفي البيت الأبيض وهو أرفع منصب في إدارة الرئيس وسبق له العمل كذلك وزيراً للأمن الوطني والذي وصف ترامب بأنه ينطبق عليه وصف الفاشي وبأنه ديكتاتور ومهووس بالسلطة ومعجب بهتلر ويتوقع من جنرالات الجيش إطاعته كما كان يفعل جنرالات هتلر وقد فندت حملة ترامب هذه الاتهامات وبأن كيلي يعاني من متلازمة التشوش العقلي التي يصاب بها كارهي ترامب «Trump Derangement Syndrome».
هناك سبع ولايات توصف بالمتأرجحة (Swing States) كونها تصوت أحيانا للحزب الجمهوري وأحيانا أخرى للحزب الديموقراطي، وستكون الفيصل في تحديد هوية الفائز بها وهذه الولايات هي أريزونا، جورجيا، ميتشجان، نيفادا، كارولينا الشمالية، ويسكنسن وبنسلفانيا التي تعتبر الأهم بين الولايات المتأرجحة بمجموع 19 مجمع انتخابي والتي يلزم أن يحصد الفائز بمنصب الرئيس ما مجموعه 270 مجمع انتخابي من مجموع المجمعات الانتخابية الأمريكية والبالغ 538. ومع قول هذا ففي هذه الانتخابات سيكون للأصوات المتأرجحة (Swing Voters) دور هام جدا بتحديد أسم الفائز وغالبية الشريحة الانتخابية لهذا العامل هم من طبقة الشباب وطلاب الجامعات وتشكل هذا العامل تحديداً بسبب الأحداث التي يشهدها قطاع غزة ولعل هاريس هنا تحظي بأفضلية هذا العامل الجديد والذي يتعلق بتصويت ناخيين للمرشح الذي لا ينتمي لحزبهم ونرى مثال ذلك في مشاركة ليز تشيني الجمهورية لهاريس في حملتها الانتخابية في ولاية ويسكنسن الولاية التي شهدت بدايات الحزب الجمهوري. أهمية الأصوات المتأرجحة لفوز هاريس في انتخابات تشير استطلاعات الرأي لتقارب حظوظ كلا المرشحين للفوز بها وعليه فقد نظمت شبكة سي إن إن لقاء بين هاريس والناخبين المترددين في ضواحي مدينة فيلاديلفيا وأداره المذيع المخضرم أندرسون كوبر.
قوة ترامب على الساحة السياسية الأمريكية نراها واضحة جليه بفقدان تشيني الداعمة هاريس لمقعدها النيابي عن ولاية وايومنغ لصالح منافستها هارييت هاغمان المؤيدة بشدة لترامب. كذلك نرى بوادر تكون عامل الأصوات المتأرجحة في اجتماع هاريس مع كوادر مؤثرة من الحزب الجمهوري خلال لقاء لها معهم في بنسلفانيا أحد أهم الولايات المتأرجحة.
خلفية ترامب المهنية في عالم الاقتصاد والترفيه صقلت فيه خبرة لا يستهان بها في تسخيرها لصالحه وبمقدرته الفائقة على التأثير في الرأي العام وأسماعهم ما يرغبون في سماعه بغض النظر على مقدرته في تحقيق وعودة الانتخابية وفي المقابل فخلفية هاريس القانونية كمدعي عام تنحو نحو وضع القانون كأساس في خططها والتعامل مع الواقع لا الخيال وهو الامر الذي قد لا يروق للكثير من الناخبين خصوصاً الذين لم ينالوا قسطاً وافراً من التعليم.
حُمي سباق انتخابات 2024 الرئاسية ومدها وجزرها والتي أستخدم فيها المرشحان كل ما في جعبتهما من دعم من قبل رجال أعمال وساسة وإعلام والمؤثرين على منصات وسائل التواصل الاجتماعي والمطربين، أصابت الجميع بالتعب والإرهاق والذي بدأ واضحا حتى على كلا المرشحين ترامب وهاريس ونائبهما للترشح فالز وفانس وكذلك فالأمريكيين والعالم بأسره يترقبون وبأعصاب مشدود نتائجها وهناك تخوف له ما يبرره بقوة وذلك فيما يخص الوضع الأمني بعد الإعلان عن الفائز بها والذي وصل به الحد بأن يصرح الرئيس بايدن بأنه لا يستطيع ان يجزم بأن إذا ما كانت الانتخابات الرئاسية ستمر بسلام أم خلاف ذلك.
هناك مقولة أمريكية شهيرة ينطبق فحواها على نتائج هذه الانتخابات الرئاسية، المقولة (The Stakes are High) «هناك الكثير على المحك» بعد إعلان نتائج انتخابات 2024 الرئاسية الأمريكية وهو أمر لا تتناطح في مصداقيته عنزتان والكل في ترقب!!!