د.عبدالله بن موسى الطاير
منذ انتخابات 3 نوفمبر 1992م، التي فاز بها الرئيس كلينتون على الرئيس بوش الأب، وأنا أتابع الشأن الأمريكي، وصدمتني انتخابات عام 2000م عندما ترشح نائب الرئيس آل جور مقابل الرئيس بوش الابن، العائد للسلطة ثأراً لوالده الذي حرمه بيل كلينتون فترة رئاسية ثانية، على الرغم من شعبيته الجارفة في دول الخليج العربي! كنت حينها أعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، ومثل بقية الناس ترقبنا العرس الانتخابي الذي يتوج آخر يوم في الانتخابات، وجاءت التاسعة مساء ولا نتائج، ومنتصف الليل ولا نتائج، وأشرقت الشمس بنور ربها يوم 4 نوفمبر ولا نتائج، لقد استغرق الأمر عدة أسابيع حتى أعلنت النتائج لصالح بوش الابن بـ271 صوتا مقابل 268 صوتا لآل جور.
هناك تشابه بين انتخابات 2000 وانتخابات 2024م، فالمرشحة الديموقراطية نائبة رئيس حالي، والمرشح الجمهوري رئيس سابق يثأر لنفسه جراء حرمانه من فترة ثانية على يد الرئيس بايدن. إذا كانت نتائج 2000م سوف تنسحب على نتائج 2024م فإن الرئيس السابق ترامب سيعود للسلطة، ولكن بفارق ضئيل لن نعرفه ليلة إعلان النتائج، إذ سيستغرق وقتاً لإعلان الفائز بالبيت الأبيض، وستكون فترة انتظار صعبة على الأمريكيين.
حتى كتابة هذه المقالة تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم كمالا هاريس بفارق طفيف على المستوى الوطني، لكني وغيري لا نعول عليها، إذ حازت هيلاري كلينتون أفضلية وبفارق كبير عام 2016م، ولكنها لم تربح الرئاسة. وبحسب موقع 538 المتخصص في الانتخابات الأمريكية فإن هاريس تقف على أرض صلبة بتأمين 191 صوتاً من 270، ومن المحتمل أن يصوت لها 35 آخرين. في المقابل ضمن ترامب 131 صوتاً، ولديه 88 صوتاً محتملاً، ويميل له 43 صوتاً. الأصوات المحتملة غالباً ما تصوت لصاحبها، أما تلك التي تميل فإنها تكون متأرجحة إلى يوم الانتخابات الأخير، وهذا ما يجعل ولايات الحسم صاحبة القول الفصل.
بعيداً عن استطلاعات الرأي، يتوقع عدد لا بأس به من المحللين ورجال الأعمال البارزين والماهرين في توقعاتهم أن ترامب سيكون الرئيس 47 للولايات المتحدة الأمريكية، صحيفة التليجراف البريطانية تصف الحيرة بالقول «في الوقت الذي يقدم فيه خبراؤنا توقعاتهم النهائية، يقف السباق إلى البيت الأبيض على حافة السكين، من الصعب للغاية التنبؤ بالرئاسة لدرجة أنه أمر محبط تقريبًا، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم ضئيل أو خسارة في كل اتجاه»، وتضيف «في نهاية المطاف.. سينتهي الأمر بيوم الانتخابات». لكنها تصل في تحليلها إلى تأرجح توقعات خبرائها بشكل طفيف نحو دونالد ترامب، حتى لو كان ذلك غير معتمد على معطيات موضوعية، وإنما مسايرة للشعور الغريزي.
المؤرخ آلان ليختمان، ويلقبه البعض نوستراداموس الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تنبأ بشكل دقيق بنتائج تسعة من آخر عشرة انتخابات رئاسية، ويعتقد أن كامالا هاريس ستهزم دونالد ترامب، لكنه يشعر بالقلق هذه المرة أكثر من أية مرة سابقة «لقد كنت أفعل هذا لمدة 42 عامًا وكل أربع سنوات أشعر بفراشات في معدتي، هذا العام أشعر بقطيع من الغربان». ليختمان لا توتره استطلاعات الرأي المتقاربة بين المرشحين في الولايات المتأرجحة الرئيسية، فلديه نظامه الخاص الذي يبني عليه توقعاته للفائز بالبيت الأبيض، ولا يزال يعتقد أن هاريس ستصبح الرئيس القادم لأمريكا، بيد أنه قلق بشأن هشاشة الديمقراطية.
بشكل استثنائي لا يترقب الأمريكيون مساء الغد احتفالات العرس الديموقراطي، بل يتوجس حوالي النصف منهم خيفة مما سيأتي بعد إعلان النتائج، هناك خوف حقيقي مبني على مقدمات بدأت في يناير قبل أربع سنوات، وتتردد أصداؤها في شبكات التواصل الاجتماعي عندما يهدد كل طرف: مرشحنا للبيت الأبيض أو الفوضى. ومع ذلك فإنني أعتقد كغيري أن أمريكا جاهزة تماماً للتعامل مع أي فوضى قادمة ولن تؤخذ على حين غرة كما حدث في 6 يناير 2021م.