د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
سبق أن كتبت عددا من المقالات في صحيفة الجزيرة الغراء في 28 فبراير 2015 حول المطالبة بشراء ديون المواطنين من البنوك حتى تنتهي أزمة السكن بسبب محدودية السيولة في البنوك، تحقق هذا الهدف، وكتبت أيضا مقال عنه في صحيفة الجزيرة في 15/9/2018 عندما تم تأسيس شركة لإعادة التمويل العقاري ( سرك ) بالتعاون مع وزارة الإسكان في إطلاق مبادرة القروض العقارية طويلة الأجل بنسبة ثابتة، وقامت الشركة بشراء سبع محافظ إقراض من سبع مؤسسات تمويلية، شأنها رفع مستوى السيولة وتعزيز استقرار السوق الثانوي للتمويل السكني، بلغ مجموع ما تم ضخه عبر الشركة نحو 4.9 مليار ريال، لم تتوقف الدولة عند هذا الحد بل لجأت إلى إعلان شركة إعادة التمويل التي تعمل على شراء المحافظ بقيمة ثلاثة مليارات ريال من صندوق هيئة التقاعد سبقتها أربعة مليارات ريال ليصل إجمالها إلى سبعة مليارات ريال، تهدف للوصول إلى 20 مليار ريال خططت للوصول إلى ضعف هذا المبلغ فيما بعد من أجل ضخ سيولة بهدف استمرار قطاع التمويل.
تستهدف وزارة الإسكان تحقيق هدف رؤية المملكة 2030 بالوصول إلى تحقيق 70 في المائة من السكان يمتلكون مسكنا في 2030، حققت الوزارة قفزة بين عامي 2016 و 2020 وصولا إلى 62 في المائة، بينما كان المستهدف 60 في المائة، فيما كانت القفزة محدودة بين عامي 2020 و 2024 بسبب عوامل كثيرة منها أن القروض العقارية بلغت 816 مليار ريال في النصف الأول من عام 2024، ومخطط لها أن ترتفع إلى 2.3 تريليون ريال خلال فترة الرؤية المتبقية، أي أنه سيكون هناك زخم في نشاط التمويل خلال الفترة المقبلة.
تستعين الدولة الآن بأكبر شركة في الولايات المتحدة لإدارة الأصول في العالم ( بلاك روك ) وذلك لتطوير الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، حيث تتطلع السعودية إلى تعزيز القوة الشرائية للمنازل، وستدخل الشركة في تطوير سوق ثانوية للرهن العقاري للبنوك بتقديم أسعار فائدة أقل للمقترضين، وتحسين تكلفة امتلاك المنازل، ووقعت الشركة في أغسطس 2024 اتفاقية مع الشركة السعودية لإعادة تمويل التمويل العقاري للبنوك، وهي الشركة المملوكة للدولة المكافئة لفاني ماي وفريدي ماك في الولايات المتحدة، اتفق الطرفان على البحث عن طرق لتنويع مصادر التمويل من خلال أسواق الدخل الثابت.
ستكون فروق الفائدة أكبر بكثير مما لو كانت هناك سوق للتوريق، والهوامش ستكون أقل بكثير، وسيستفيد أصحاب المنازل، وبالتالي ستنخفض كلفة تملك المنازل، لتحقيق السعودية زخم تحقيق الرؤية في الوصول إلى 70 في المائة في امتلاك سكان السعودية للمساكن المملوكة.
توريق الرهن العقاري هي آلية تقوم على مبدأ دمج وجمع الرهون الفردية ذات الخصائص المتشابهة في مجموعة واحدة أو مماثلة، تحول هذه الآلية إلى أصول سائلة لقروض الرهن العقاري إلى أوراق مالية يمكن شراؤها وبيعها والتداول فيها في الأسواق الثانوية، وتعد عملية توريق الرهون العقارية مهمة وجزءا لا يتجزأ من قطاع الرهون العقارية، حيث يكمن الهدف الرئيسي إزالة الرهن من الميزانية العمومية الخاصة بالجهة المصدرة للقرض العقاري، والحد من المخاطرة المترتبة على القرض وتعزيز التدفقات النقدية للجهة المصدرة.
الفقاعة العقارية التي حدثت في 2004 عندما بدأت بنوك وول ستريت التجارية إقراض ذوي الدخل المحدود مبالغ باهظة من أجل شراء منازل، ومن ثم كانت البنوك الاستثمارية تقوم باقتراض وشراء هذه القروض العقارية من بنوك أخرى، ثم تقوم بتوريقها وبيعها في جميع أنحاء العالم، ودخلت شركات التأمين في هذه الفقاعة في حال حدوث تعثر أو عسر مالي، وعندما بدأ ذوو الدخل المحدود الإعسار وهو ما كان متوقعا، وكأنها فقاعة مقصودة، والهدف منها قد يكون تحميل المستثمرين العالميين جزءا من تحمل هذه المخاطر.
عندها قامت البنوك بأخذ المنازل لبيعها، وهو ما خلق عرض للمنازل أعلى من الطلب فهوت أسعار المنازل، فهوت بنوك، وقام بنك جي بي مورغان بشراء مصرف بنك الاستثمار بير ستيرنز بدولارين للسهم، رغم أن سعر السهم كان ثلاثين دولارا في البورصة، ثم أعلن بنك ليمان براذرز افلاسه في سبتمبر 2008، وهو ما جعل الحكومة الأمريكية التدخل لإنقاذ كبار المصارف وشركات المال الأمريكية، مثل سيتي غروب، وبنك أوف أمريكا، وويلز فارجو مورغان ستانلي، جولدمان ساكس وغيرها.
بالطبع سينعكس هذا الزخم على قطاعات أخرى مساندة ومتعلقة بالقطاع العقاري، وبشكل خاص توسعة القطاع الصناعي الذي يتعلق بتأمين مكونات القطاع السكني، التي هي من الصناعات الواعدة، وخاصة في ظل الطفرة الانشائية التي تدعمها الدولة لتحقيق أهم مقوم من مقومات الحياة الرغيدة للمواطن وهو السكن، خصوصا وأن هناك اتفاقية سعودية صينية لإنشاء مدينة صناعية ومناطق لوجستية لمواد البناء بالسعودية تضم 12 مصنعا بهدف تأمين سلاسل الإمداد للمشروعات السكنية، مع ضمان تنفيذها في الوقت المستهدف وبالجودة المرتفعة، وتعزيز التحول الوطني في قطاع البناء والتشييد لتوطين صناعة مواد البناء، وستوفر هذه المشروعات مجالا للمصانع المحلية المتوسطة والصغيرة للتوسع، حيث بلغ إجمالي عدد مصانع مواد البناء بنهاية 2023 نحو 2065 مصنعا بتمويل 336 مليار ريال يعمل فيها نحو 144 ألف عامل منهم 40 ألف عامل سعودي.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقا بجامعة أم القرى