عبدالله إبراهيم الكعيد
منذ نعومة أظفارنا تم (تلقيننا) مقولة «العلمُ نورٌ والجهل ظلام»، ولم يشرحوا لنا كيف يكون العلم نوراً وكذا لم نفهم لماذا الجهل ظلام. كنت أعتقد حينها أنه كلما ازداد الفرد علماً سطعت الأنوار في بيته والعكس بالعكس. كبرنا فكبرت معنا المفاهيم كل بطريقته الخاصة. عرفنا لاحقاً أن العلم هو السبيل لتطور الإنسان ونمو المجتمعات وتوالي المخترعات وبدأنا نقرأ عن العُلماء. جنسياتهم، حياتهم، اختراعاتهم، إخفاقاتهم، إنجازاتهم ... إلخ.
معارف جيلي في حقبة الستينيات الميلادية من القرن الماضي (يغلب عليها) المواد الشرعية وأيضاً اللغة العربية تعريفاً واصطلاحاً وحتى مواد النقد والبلاغة، هذا غير التعبير والتاريخ والجغرافيا. من منّا ينسى ورطة «أعرب ما تحته خط» من هنا لا بد من الحفظ ومزيدٍ من الحفظ، بمعنى ليس على طالب العلم التفكير، بل إعادة حفظ ما تعلّمه. أين التفكير من أساسه ما بالك بالتفكير الناقد؟
اليوم هنالك ما يُسمى باقتصاد المعرفة والمعرفة تأتي من العلم. إذاً العلم يُحرّك الاقتصاد ويبني أساساته. والاقتصاد يستند على العلم. الاقتصاد ليس أرقاماً وبنوكاً مليئة خزائنها بالأموال أو هو ربح وخسارة فقط، بل نظريات ومفاهيم لا تتوقف عن التطور.
في الماضي وقبل أن تتطور العلوم كانت التجارة تحتاج إلى رؤوس أموال أو أصول ملموسة بينما اليوم كل ما لدى أصحاب الثروات الضخمة على سبيل المثال منصات إلكترونية ابتكروها وفرضت نفسها على المشتركين الذين يصعب عليهم التخلي عن حساباتهم فيها.
للخروج من ربقة التخلف لا مناص من استخدام سلاح العلم والمعرفة. الأمم التي يسود فيها الجهل والأمية تنبت في أرضها أشجار الخرافة والخزعبلات لدرجة أن يُسلِّم الناس أنفسهم جهلاً لعبادة الأوثان ويعتقدون وجود آلهة متعددة. إله للمطر وآخر للجفاف وثالث للحظ ورابع للخصب ... وهكذا من خرافات تكرّست في عقولهم بفعل الجهل.
يُشير الدكتور نبيل علي إلى «أن العرب أحوج من غيرهم إلى المعرفة فهي وحدها الكفيلة بانتشالهم من كبوتهم وعدد في كتابه (العقل العربي ومجتمع المعرفة) أهمية المعرفة منها» أنها وسيلة لفض ما يجب فضُّه من مواضع الخلاف بين الدين وبعض نظريات العلم الحديث لكونها (أي المعرفة) منطلقاً لإنهاء تلك الخصومة المُفتعلة بين الدين ومُعظم أجناس الفنون من موسيقى وتشكيل ونحت وفنون أداء وذلك ما لمعرفة الفنون من أهميّة في عصر المعلومات».
ربما لم يتوقع الدكتور نبيل أن أغلب العرب في عصرنا الحالي يتسابقون لاكتساب المعرفة والعلوم الحديثة، وقد تجاوزوا الكبوة (المتخيلة)، بل إن بعضهم يقف اليوم موقف الند للند مع الأمم المتقدمة في مجال العلوم والتقنية بجانب الإبداع في مختلف أشكال الفنون.