عايض بن خالد المطيري
في الماضي عندما كانت المجتمعات أكثر تماسكاً وترابطاً، كانت عملية الزواج تجري بطرق بسيطة ومباشرة. فالرجل الذي يرغب في تزويج ابنته وليس لديه شبكة واسعة من المعارف كان يلجأ إلى قاضي البلدة، إمام المسجد، أو مأذون الأنكحة ليبحث عن رجل صالح ترتبط به كريمته. وكانت فاعلات الخير من النساء أيضاً يساهمن في توصيل عروض الزواج للشباب بطريقة تحفظ السرية والكرامة.
كانت هذه الأساليب جزءاً من النسيج الاجتماعي البسيط، حيث كان الجميع يعرف الجميع، وكانت العلاقات الأسرية والجيرة قوية بما يكفي لتسهيل هذه العمليات.
لكن اليوم تغيرت المعطيات بشكل كبير مع ازدياد حجم المدن وانتقال العديد من العائلات والأسر إليها، أصبح التواصل بين الجيران شبه معدوم. لم يعد الجار يعرف جاره، والقريب بات بعيداً عن أقاربه بفعل تسارع وتيرة الحياة ومشاغلها. ونتيجة لهذا الانقطاع الاجتماعي، باتت فرص الزواج المبنية على التفاهمات العائلية والتعارف التقليدي تقل، مما أدى إلى تفاقم مشكلة العنوسة في بعض المجتمعات.
ومع هذا التغيير، بدأت تظهر حلول بديلة، لكنها غالباً ما تكون غير نظامية وغير مضمونة. وهي وسيلة الخطابات سواءً عبر وسائل التواصل أو في المجالس الخاصة، يعملن في الخفاء دون أي إطار قانوني، مما يعرض الكثيرين للنصب والاحتيال والمشاكل.
فقد يتحول البحث عن شريك حياة إلى كابوس مليء بالابتزاز وانعدام المصداقية.
ورغم أن هذه المشكلة تؤرق العديد من الأسر، لا تزال الجهود لمعالجتها تسير ببطء وفي الظل. فغياب جهة رسمية مختصة بتنظيم هذه الأمور يفتح المجال لمزيد من الفوضى والمخاطر. لكن هل حان الوقت لتغيير هذه الأساليب؟
من هنا تبقى الحاجة مُلحة إلى تأسيس جمعية مختصة تعمل بشكل نظامي وتحت مظلة حكومية، تتولى هذا الدور الحساس. جمعية يمكنها جمع «رأسين بالحلال» بطرق منظمة، ومدعومة بكوادر متخصصة من كلا الجنسين، تحفظ السرية وتضمن المصداقية وتلبي احتياجات المجتمع بطرق حديثة وآمنة. ستكون هذه الجمعية بفروعها حلاً عملياً وضرورياً للتخفيف من معاناة الأسر، وتوفر بديلاً قوياً للعمل التقليدي القائم على الخطابات والعمل البدائي.
فمع تطور المجتمعات وتفرعها، ينبغي أن تتطور سبل الزواج كذلك، لتواكب احتياجات الأفراد والمجتمعات بأساليب منظمة ومؤسساتية تحمي حقوق الجميع وتساهم في بناء علاقات أسرية متينة ومستدامة وبشكل منظم.