د.أمل بنت محمد التميمي
اجتمعنا يوم الاثنين (2 جمادى الأولى 1446هـ الموافق 4 نوفمبر 2024م) في كرسي الأدب السعودي لتكريم شخص أسس في الوطن بذرة جميلة… والمسيرة تكتمل عبر الأجيال المتعاقبة بإذن الله.
سأقول كلاما لأول مرة يسمعه.... سعادة الأستاذ الدكتور صالح بن معيض الغامدي عن سماته القيادية فهو: (قائد في كل فريق يعمل به وإن لم يكن هو القائد الإداري، فوجوده في أي فريق يسهم كثيرا في إنتاجية الفريق؛ لأنه لا يعمل على المصلحة الذاتية، ولكن على مصلحة الفريق. فيقربه كل قائد لينجح فريقه بوصفه عضوا عاملا وفاعلا).
أجمل طلب يصلني هو أن أشارك في تكريم شخص خدم العلم والوطن، وهذه رسالة لكل من يعمل بإخلاص أنك إذا خدمت وطنك سيحتفظ الوطن باسمك في سجل تاريخه العريق. فشكراً لمن يكتب تاريخ المملكة العربية السعودية ويوثق أمجادها.
فحينما طلب مني سعادة الدكتور إبراهيم الفريح المشرف على الكرسي السعودي حاليا، نسأل الله له أن يبارك في جهده وعلمه وعمله، كلمة في تكريم د. صالح معيض استجبت بكل سرور وشكرت الله كثيرا، والشكر لأصحاب الفضل ممن يسهمون في تكريم الرموز الثقافية في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية العلوم الإنسانية بجامعة الملك سعود، فحينما نكرم فنحن نوثق للتاريخ لا نصف مشاعرنا، وحينما نكتب بصدق لا نجامل لأن المصالح انقضت وبقيت الذكريات الصادقة والجميلة والأمينة.
تحدثت سابقا في (إصدار ملف خاص نشرته الجزيرة الثقافية عن أ.د. صالح بن معيض الغامدي وشخصيته العلمية وإسهاماته في مجال الثقافة، وجهوده الأكاديمية والثقافية في مجال الأدب المقارن والسيرة الذاتية والأدب السعودي...) بمستوى يبعث على الفخر والاعتزاز.
وتحدثت سابقا في تكريم الدكتور صالح بملتقى الباحة عن محطات حياة الدكتور صالح وقسمتها إلى محطات.
المحطة الأولى: مرحلة نشأته بالباحة وكيف تعامل معها؟
المحطة الثانية: مرحلة جامعة الرياض.
المحطة الثالثة: مرحلة الابتعاث إلى جامعة إنديانا.
المحطة الرابعة: محطة العودة وخدمة الوطن.
واليوم استكمالا لتلك المسيرة يسعدني أن أخصص الحديث عن العمل الوطني المشترك والحس القيادي في قيادة الدكتور صالح بن معيض الغامدي، ويمكن القول إن المشروع الوطني «هو فلسفة ورؤية في الحرية، والتقدم، والقوة، والتنمية، والعدالة، لصالح الدولة والمجتمع، واستراتيجية عملية ذات طبيعة استشرافية لتجسيد تلك الرؤية والطموح». هذا ما لمسناه ميدانيا في العمل مع سعادة الدكتور صالح، ونعود إلى السؤال الأول لماذا أنا؟ التي ستتحدث عن مشروع الدكتور صالح الوطني، وهناك الكثير ممن عملوا معه، والحقيقة أن اختياري مزية تستحق الشكر والحمد.
عمل الدكتور صالح في مناصب إدارية كثيرة منها، فقد كان عميدا لكيلة الآداب، ورئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها لمدة أربع فترات، ومشرفا على كرسي الأدب السعودي لمدة عشرة أعوام، ورأس الكثير من اللجان وأسس كثيرا من المشروعات في جامعة الملك سعود، وعمل عضو مجلس إدارة منتخب بنادي الرياض الأدبي، ورأس تحرير مجلة حقول التابعة للنادي، وعمل مستشارا في وكالة الوزارة للشؤون الثقافية لمدة ثمانية أعوام، ومديرا لمعرض الرياض الدولي للكتاب لمدة ثلاث دورات، وعملت أنا مع الدكتور صالح في أنشطة طلابية ومشروعات بحثية بالتعاون مع كرسي الأدب السعودي، وعملت معه أيضا في لجان وطنية على مستوى الدولة خارج الجامعة، وفي ظل تكاليف وزارية مثل تكليف وزير الثقافة والإعلام، ووزير التعليم. أذكر منها:
الأول: مشروع وضع لائحة الأندية وكان ما يقارب العامين 2013م.
المشروع الثاني: مشروع المشورة في لجان الجنادرية.
المشروع الثالث: تضمين الأدب السعودي في مقررات التعليم.
فلو ألقينا الضوء على بعض المشروعات التي عملت فيها مع سعادة د. صالح وهو مشروع مراجعة لائحة الأندية الأدبية الذي كلفنا بإنجازه من قبل وزارة الثقافة والإعلام وكان يرأس فريق هذا المشروع سعادة الدكتور ظافر الشهري، وعضوية الكثير من الزملاء والزميلات، وبعضهم موجود معنا اليوم مثل سعادة الدكتور حسن حجاب الحازمي، ود. منى المالكي..... وللجميع نوجه التحية..
السمات الإدارية القيادية العامة التي نستنجها من العمل مع الدكتور صالح نذكر بعضها:
1- القدرة على معالجة المشكلات والتوصل إلى حلول توفيقية ترضي الجميع
يقول د. ظافر الشهري بوصفه رئيسا للمشروع «كان د. صالح معيض الغامدي صمام الأمان للفريق فإذا اختلفنا في قضية حسم الدكتور صالح الخلاف بوجهة نظر قوية وسريعة، وعلى الرغم من أنني رئيس المشروع إلا أنني أرجع للدكتور صالح، وكثيرا ما أرجع إليه لنجاح إنتاجية العمل».
والخبرة التي تخرج منها من هذا المشروع الضخم أن الخلاف وارد في كل فريق عمل، ولكن الشخصيات القيادية لها سمات تمتص هذا الغضب أو تحول الخلاف إلى نقاش وعلاقات ودية لا تصعد المواضيع البتة، فاستراتيجية حسن حجاب الحازمي مثلا تمثل الأخلاق العشائرية والأعراف بحب الخشوم طريقا لعودة العمل. والضغط على الطرف الآخر للرضى برمي العقال والطلب لنيل الرضى من الجميع وهو دائما يقوم بدور المصلح والودود، فاستراتيجية الأعراف تقوم بهذا الدور الودي غالبا، فالعرف أن تعيد العقال له وتلبي حاجته.. بينما الدكتور صالح له استراتيجيات مختلفة (سياسة المحايدة – سياسة الموضوعية – سياسة الاحتواء) وأغلبها لها قواعد ومعايير خفية لا يدركها الطرف الآخر بعيدا عن الأعراف، ولكن يشعر الطرف الآخر أن د. صالح (موضوعي) يسير وفق القوانين والأنظمة التي تضبط العمل، ويخرج الطرف المجادل إلى طرف محايد لا يعارض كما كان من قبل، ويشعر بالرضى للموضوعية ولمصلحة العمل وكذلك (المحايدة) وشعاره دائما جادل كثيرا بعيدا عن مصالح الذات.
فكل شخص وله استراتيجيته في إنجاز العمل، ولكن استراتيجية الدكتور صالح كانت في الأغلب ما تبهر الجميع ويرضى بحكمه ورأيه الجميع، ولا يستخدم رفع الصوت، بل استراتيجية الصوت الذي يبث روح الاحترام بين الجميع، ونخرج بعد عراكات الاجتماعات بـ(الرضى) ويرجع الجميع إلى الكراسي وهم يصافحون بعضهم ويفتحون كراسي اللقاءات الاجتماعية بابتسامة وضحك وكأن شيئا لم يكن. مصافحة الفريق بعد كل مشروع تجدد طاقات الحب في الفريق. فمن كثرة الاجتماعات التي حضرتها مع الدكتور صالح أدركنا أنه (يقدم مصلحة العمل على المصالح الذاتية ولا يغلق باب المودة بعد النقاشات الحادة، ولا يفتح باب العداوة مع أحد، ونصيحته الإدارية الخفية (السلم) وتصغير حجم المشكلات مهما كبرت).
2- يقف على مسافة واحدة مع كل العاملين معه دون تحيزات أو ميول.
- يبعد الفريق عن التمييز الطبقي والعنصري الذي قد يتأسس على أثره الصراع في العمل، ويسعى في إحقاق الحق، ويبعد الفريق عن الإغراق في مثل هذه المشكلات ويعلي من إنجاز العمل وفق أهداف العمل ومصلحته. وفي هذا الجانب إلى جانب شهادتي في المشروعات الوطنية التي عملت بها معه، شهادة الدكتور خالد بسندي حيث يقول: «يبحث عن مصلحة القسم بالدرجة الأولى فقد كان أول مراجع للجودة هو والدكتورة ميساء خواجة على مستوى المملكة ومراجع باللغة الإنجليزية، ويتعامل مع الجميع على السواء دون تمييز ليظهر العمل في الشكل الوطني المطلوب» سمته ديمقراطية العمل رجل دمث الأخلاق يسعى إلى مستقبل العمل الدائم للوطن.
3- محاولة تهدئة وإقناع الفريق بوجهة نظر معينة فإذا لم يحصل بالإجماع على هذه الفكرة يمررها بالأغلبية ويحتوي البقية مع الحرص على عدم معارضة الآخرين
- تعلمنا منه العلاقات الودية في الاتصالات الإدارية، فقد تعترض الفريق بعض العراقيل في الاتصال الإداري فهو في هذا الجانب يطبق من وجهة نظري (استراتيجية التثليج) يعلمك كيف تكون باردا مثل الثلج حتى تصل إلى مبتغى الفريق مهما قابلتك من حسكات الشوك، فأمام الفريق (حسكة) يعالجها ولا يتركها ولكن لا يعطيها كبير أهمية ويكمل الفريق في الإنجاز، والخبرة التي يمكن الإفادة من قيادة الدكتور صالح يعالج كل مشكلة لا يتركها معلقة، فالتعليق قد يعقد الأمور أكثر.
- يؤمن كثيرا بـ(التعاقب الإداري)، فكنت أراه هو قائد الفريق، ثم يأتي بعده ويعقبه في إدارة الفريق شخص آخر، ولكنه يستمر في دعم القائد ويستكمل ممارسة استراتيجية (القائد الخفي) بالمشورة والدعم والمساندة.
- المساندة العلمية والإدارية للجامعات والمشروعات الوطنية، فعند تأسيسي لوحدة الإرشاد الأكاديمي في جامعة الدمام، استعنت بالدكتور صالح بوصفه عميد كلية ومرشدا لنا في تأسيس الوحدة لأنهم نموذج يحتذى به، فرشح الدكتور المنجي القردلي ليعطي الجامعة بكل ما يمكن أن يقدم المساندة من تدريب وكتيبات ومعلومات. سعيا إلى المصلحة الوطنية المشتركة والداعمة للجميع.
4- تغليب العمل الإداري اللامركزي حرصا على مشاركة الجميع في المشروع.
كان يسمع جميع الأطراف ولا ينفرد بالرأي أو يبدي سيطرة أو تسلطا. ويوزع العمل على أعضاء الفريق، كل بحسب اهتماماته.
وفي هذا الجانب شهادة الدكتور أبو المعاطي الرمادي حيث يقول: «الحرص على لا مركزية العمل في يد المشرف على الكرسي. فالعمل كان موزعا على العاملين. ولكل فرد مسؤوليات داخل المنظومة. كما كان هناك حرص على خلق حالة من الأخوة والمودة بين العاملين بالكرسي ما انعكس على سير العمل» وفي هذه النقطة أتمنى وأناشد ولي العهد في إعطاء الجنسية السعودية لمن خدموا الأدب السعودي لمسيرة طويلة وبحب وبإخلاص وبانتماء مثل الدكتور أبو المعاطي الرمادي الذي قدم الكثير في كرسي الأدب السعودي.
5- التعامل مع المتطرفين والمتشددين بالذكاء الإداري ومحاولة احتوائهم وتحييدهم
- وعن التعامل الإداري في إدارة معرض الكتاب الذي تولى إدارته لمدة ثلاث دورات بنجاح تام كما وصفه الدكتور ناصر الحجيلان، فيقول الحجيلان: «إن الدكتور صالح كشف عن الجانب الإداري الناجح كون المعرض قد تعرض إلى عدة حملات إرهابية في تلك الفترة ومع هذا استطاع الدكتور صالح معيض أن يحل المشكلات بذكاء ويمتص تهديدات المتطرفين وفق استراتيجيات إدارية ناجعة، ويتحدث عن هذا الجانب د ناصر الحجيلان بشأن التعامل مع الناس في الجانب الإداري حيث يقول:
«ملامح من الجانب الإداري في شخصية د. صالح معيض الغامدي:
إضافة إلى عمله الأكاديمي أستاذا في قسم اللغة العربية وآدابها، شغل أ.د. صالح معيض الغامدي مهام إدارية داخل الجامعة مثل رئيس قسم اللغة العربية وآدابها لعدة فترات وعميد الكلية (كلية الآداب سابقا التي تغير اسمها إلى كلية العلوم الإنسانية). وسوف أركز على ملامح من الجانب الإداري الذي يتمتع به الدكتور صالح الغامدي من خلال قيامه بمهام إدارية خارج الجامعة منها مدير عام معرض الرياض الدولي للكتاب لخمس دورات منذ عام 2011 إلى عام 2015.
لقد كانت مهمة صعبة بسبب كثرة المهام وتعددها وتشعب ارتباطاتها بين الناشرين والمكتبات والرقابة والفسوحات والجمارك والجهات الأمنية والمثقفين والجمهور العام. يضاف إلى ذلك الظروف الاجتماعية في تلك الفترة حينما كان للتيار المتشدد سطوة قوية على الثقافة والفكر. فكانت لهم صولات وجولات يومية لمنع بعض الكتب والتحكم في اختيارات القراء ومنع بعض المؤلفات، وكذلك التدخل في البرنامج الثقافي ومحاولة السيطرة عليه باستبعاد بعض الأسماء المختارة أو حذف بعض الموضوعات المطروحة للنقاش وتغييرها، ليكون البرنامج متوافقا مع الأهواء الحزبية الضيقة لتلك المجموعات المتشددة.
كانوا يرفضون فكرة الفن والخيال عموما، وهذا يعني رفض النتاج الأدبي ماعدا ما يحمل رسالة وعظية مباشرة أو يقدم فكرا أيديولوجيا يخدم تلك الجماعات والأحزاب. كما كانوا يرفضون بعض القيم الإنسانية كالديموقراطية والمساواة والانفتاح والتسامح بحجة أن تلك القيم ليست سوى بوابة يدخل منها الشيطان لانتهاك القيم الاجتماعية المحلية وربما الاعتداء على المبادئ الدينية التي تمثلها المدرسة الدينية التي ينتمون إليها.
كان الدكتور الغامدي في وجه المدفع أمام هذه المجموعات التي تتوافد على المعرض بشكل جماعي وكبير بقيادة زعماء لهم يشغلون الزوار ويعطلون عمل المعرض في أوقات كثيرة. واستطاع بهدوئه الرزين ودبلوماسيته العميقة امتصاص حماس تلك الهجمات والتفاهم مع تلك المجموعات بعقد اجتماعات معهم بعضها بشكل منفرد وبعضها بشكل جماعي لإفهامهم سياسة المعرض التي ترفض وجود أي كتاب فيه انتهاك للدين الإسلامي أو السياسة السعودية أو قيم المجتمع، ويطلب منهم الإبلاغ عن أي كتاب فيه تجاوز للمعايير المرسومة. لقد كانت تلك الحشود مدفوعة بمعلومات مضللة عن المعرض وعن محتوياته، وبعد النقاش العقلاني معه استطاع الدكتور الغامدي إقناع الأغلبية منهم بعدم صحة الادعاءات المشاعة ضد الثقافة والفكر.
إن محاوراته معهم التي تمتد لساعات طويلة بل لعدة أيام كانت تنجح في الغالب في التهدئة، وفي حالات أخرى يضطر للاستعانة بالجهات المختصة للتعامل مع عدد محدود ممن يقومون بالتخريب والاعتداء على الممتلكات أو على الزوار.
لقد وجدنا في إدارة الدكتور الغامدي منهجا متزنا وناجحا في التعامل مع الحشود وحل المشكلات الطارئة في حينها بصبر وروية وذكاء. وتعلمنا منه خصالا عديدة في ضبط النفس، والتفاني في العمل الجاد، والدقة في اتخاذ القرار، وكذلك العدالة في الحكم بعد جمع الأدلة وفحصها واختبارها، واستشارة المختصين في القرارات قبل اتخاذها.
ولابد أن أشيد بخصال عديدة في شخصية الدكتور الغامدي الإدارية، أختصـرها باختيار أربعة خصال هي:
1. سيطرة روح التفاؤل عليه، فلا يجد اليأس طريقا إلى قلبه. وهذا التفاؤل الإيجابي خصلة أصيلة عنده، فلا تجده إلا مبتسما ومازحا حتى في أحلك الظروف وأقساها. هذه الروح المشـرقة تنتقل طاقتها لاشعوريا إلى فريق العمل الذي يعمل معه، فيجد دافعية كبيرة وتحفيزا داخليا نحو المثابرة والإنجاز والتميز.
2. حب الخير للجميع، فهو يتمنى أن يحصل الجميع على ما يستحقونه من التقدير والمكافأة، ويشعر بالسعادة تغمر قلبه حينما يجد شخصا متميزا في موقع ما، فيثني عليه بما يستحق من التقدير ويرفع من معنوياته. وهذه الصفة جعلته مركز المحبة والتقدير من جميع العاملين معه وكل من لهم صلة به، لأنه كشف لهم بأفعاله خلو صدره من أي ضغينة أو موقف سلبي مسبق ضد أي أحد وضد أي فكرة. هذه الصفة الجميلة النادرة جعلته يتبوأ مكانة كبيرة في نفوس رواد معرض الكتاب طوال تلك الأعوام ويعقدون معه صداقات دائمة.
3. التواضع الحقيقي الذي يتمتع به، فلا يميز نفسه عن مرؤوسيه ولا يطالب بشـيء مختلف عن العاملين معه. بل إنه يشاطرهم الجلوس على الأرض وشرب الشاي وأكل قطعة من الخبز. ويرفض أي خدمات يتطوع بها أحد له بل إنه يقدم الخدمة بنفسه لمن يحتاجها؛ فيقوم بالشـرح لأي سائل أو يقوم بتوصيل شخص أو ترك مقعده لغيره.. هذا التواضع رفع مكانته -وهي مكانة رفيعة- وكشف مقدار ثقته بذاته وزهده في البحث عن الأضواء أو البروز المصطنع.
4. تقديم حسن الظن وتغليب الثقة على أي موقف جديد حتى يثبت له العكس. فالأصل عنده في رؤيته للعالم أنه أمام عالم يغلب عليه الخير والحق والجمال، وإذا وجد الشـر والظلم والقبح فهو استثناء لا يفسد القاعدة العامة. هذه الصفة الأصيلة أتاحت الفرصة له ولنا ولمن عمل معه بأن ينال كل موضوع حقه الوافي من الدراسة والتدقيق وتلمس الجوانب الإيجابية وتحليل الجوانب السلبية والمقارنة بينها للخلوص بنتيجة عقلانية محايدة تكون أقرب إلى الحق والواقعية.
وفي الختام، هذه كلمة موجزة في حق أستاذنا الفاضل د. صالح بن معيض الغامدي عن ملمح عاجل من جانب واحد من جوانب عديدة في شخصيته التي نفخر بها في هذا الوطن. على أن شخصيته تستحق دراسة وافية لإبراز جوانب أخرى مهمة وبارزة ومؤثرة مثل التواصل الناجح الذي يتمتع به مع الجميع، وقدرته على ضبط المعايير العلمية والاعتبارات المنهجية في مجال دراساته وأبحاثه وتعاملاته».
6- الثقة بالنفس والرؤية الاستشرافية ونجاح العمل مع الفريق
ويتحدث سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل الأمين العام لجائزة الملك فيصل، والوكيل السابق للشؤون الثقافية لدى وزارة الثقافة والإعلام عن الحس القيادي عند الدكتور صالح بن معيض الغامدي بوصفه عمل معه مستشارا غير متفرغ في وكالة الوزارة للشؤون الثقافية قبل 15 عاما. ويصف تجربته مع د. صالح معيض بأنها كانت تجربة متميزة، فهو مستشار مؤتمن، يعتمد عليه في تنفيذ المهام الموكلة إليه باقتدار. وإذا كلف بعمل فإنه يتابع المهمة بأكملها، ويريحك من الدخول في التفاصيل، حيث لديه وضوح تخطيط وحسن تنفيذ. يملك رؤية استشرافية، فهو يرسم ويخطط وينجح في تنفيذ خطط العمل مع الفريق الذي يكونه بتجانس وتناغم بين أفراده. ومن أهم سماته أنه يعمل دون ضجيج، بل بهدوء وصمت، مع تحقيق نتائج إيجابية.
وعرفته عن قرب خلال رئاسته لقسم اللغة العربية فكان نعم الباحث الجاد والإداري المتميز الذي لديه القدرة على الاحتواء، خصوصا مع التباين في الآراء. وهو عالم وباحث وإداري يستحق كل التقدير والتكريم».
7- العمل بهدوء وبصمت ودون ضجيج والهم هو إنجاز العمل الذي يكلف به.
8- الإنسان سيرة ومواقف وهو الضلع الثالث في معادلة بناء المجد وبلوغ قمته في مواثق اتخاذ القرار.
يقول د. فهد بن عبدالله الطياش، عضو مجلس الشورى «أخي الأستاذ الدكتور صالح الغامدي الضلع الثالث لتلك المعادلة الصعبة لبناء المجد وبلوغ قمته، وذلك بأن اتخذ من السيرة منهجا علميا لدراسة الإنسان وتوثيق مواقف العز والتمكين. ولي مع الدكتور صالح مواقف تعكس مكنون الذات النبيلة التي لا تتجسد إلا في مواقف اتخاذ القرار. الموقف الأول مع الطلاب من خارج قسم اللغة العربية الذين نادرا ما يتذكرون قيادات الكلية من خارج القسم، ولكن مع «الدكتور صالح معيض» كما ينادى فيما بينهم فمثال الأب والإداري الذي يقضي حاجات الطلاب ويستمع إليهم. والموقف الثاني مع الزملاء من أعضاء هيئة التدريس وهي مواقف نبيلة أحدها كان معي حينما كنت أشرف على صحيفة رسالة الجامعة وأثناء عقدنا لملتقى الصحافة الجامعية بالمملكة حيث كان أحرص منا على تذليل الصعاب والحضور والمشاورة والاهتمام بالصورة الذهنية للكلية والجامعة، والموقف التخير كان في السفر للمؤتمرات العلمية حيث يظهر الجانب الإنساني والأكاديمي، حيث يخفف على صحبه وعثاء السفر ويشاركهم المعلومات في كرم علمي. هذه نماذج من شخصية الدكتور صالح الإنسان والأكاديمي والأخ والزميل الذي حفر محبته في قلوب من كان بالقرب منه، فهنيئا له بفيض المحبة المتدفق والباقي بين صفحات كتب الذكرى للكثير ممن عرفه».
وهو دائما يتفادى كثيرا قول (لا) ولكنه يقولها أحيانا بطريقة غير مباشرة تقنع الآخرين. وفي الختام نستخدم مثل هذه الشخصيات القيادية في مشروعات التدريب بوصفها نموذجا للمحاكاة، فبمثل هذه السمات قامت مشروعات الوطن، ويشعر الجيل القادم بعرفان الوطن لمن يبذل من أجله جل وقته. والحقيقة أننا اكتسبنا خبرات من د صالح في القيادة والإدارة، وما زال الدكتور صالح بن معيض يفتح مشروعات وطنية رائدة، ويعطي أمثلة متطورة في حوكمة القيادة. فهو سعى مع جملة من الزملاء والزميلات على إنشاء جمعية «جماعة السيرة الذاتية الحياتية» وقد ظهرت إلى النور قبل وقت قصير بحسه القيادي وتكوين الفريق والعمل معه، وهو يرأس مجلس إدارتها، ونأمل نحن وكل أعضاء الجمعية أن نحقق فيها الأهداف المتوخاة من إنشائها.
شكرا د.إبراهيم الفريح على تكريم الرواد والسابقين، فهذا التكريم يدل على أنك خير خلف لخير سلف.
** **
- جامعة الملك سعود