عبدالمحسن بن علي المطلق
علاقة.. تكاد تكون طردية، أبسطها بهذا الأسطر.. فـ(التريث) بين أهم أدوات العاقل، فيما (التثبت) من الضرورة بمكان..
و«اليوم» وقد تداخلت الأخبار، وأمسى الحقيقي إن كان تجده ممزوجا ببعض مبالغات.. يمليها الناقل، أحيانا عن سبق قصد وليس رصد.. ليزيد من فضول المتلقي فيركز معه أكثر فيما (المنقولات..) من لدن تلك الفئة قد اختلط حابلها بالنابل، ويا كثر حاطبي الليل!..
وطبيعي أننا لسنا بمُعرض تأييد ولا تفنيد، ولكن على من يَـنقل التريّث.. ففي بعض ما ذاك مما تضرّ بوادره وتؤلمُ و..هذا (إن كان ) نقله صدق، فكيف به إن لم يكن -قد- وقع، أو منافياً للحقائق المشاهدة بل أزيد أن الجهل بأشياء (وهي وقائع) لا تُخطئها عين الباحث.. المنقّب، فتندرج عندئذ تحت جملة «ما كل ما يُعلم يقال»، ولا كل ما يصلح يصلح أن يورد حتى!
وزيادة أمدّ بها أولئك الشغوفين بالنقل، بما قاله عَلِي رضي الله عنه (حَدِّثُوا النَّاسَ، بما يَعْرِفُونَ أتُحِبُّونَ أنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ ورَسولُهُ) عند البخاري رحمه الله، وما ذاك إلا لأن قُدراتُ الناسِ تَختلِفُ في الفَهمِ والاستِيعابِ، ومِن فِقهِ العالِمِ أنْ يُحدِّثَ بما تَستوعِبُه العقُول.. ولا تَنفِرُ منه.
ففي وزن الحضور واستحضار لكل مقام مقال، تلكم من حصافة المحدّث..، ومما لا حاجة لتنبيهه، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تأكد أنك لا تأتي بفتح حين تنقل.. طبعا عدا الشيء المُفيد (شريطة بعد ان تتأكّد)، مثلا فتوى تتفق والمستجدات في حياتنا لأنه - يا هذا- من معلومة جلبت غما..
كذاك الذي يقول لمريض بالسكر وهو بين انية الطعام - عند مضيفهم-.. «ترا هذا لا يصلح، وهذا لا تُكثر منه، و...»، فلا حول ولا قوة إلا بالله!، لعلمك هو يعلم بما تقول به، بل إنه قد أُشبع مما تورده إليه وتلكم وإن كانت طبية وبمصلحة من تنصح، إلا أن المقام لا يصحّ به إملاء تلك النصائح!، وهذا النوع قلّ من يجد له مُصاحبا، هنا.. لكم أردد جملة سمعتها من الداعية «فتحي الصافي» رحمه الله، فحُفرت في معالمي (ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح)، وبالمناسبة الأمور الطبية، فإنه ومن المهم - هنا- التنبيه إلى أنه وإن (بُلع) التساهل مع الناقل بأمور دنيا، حتى لو كانت مما تجلب من غم (..وتلكم مما لا يُنصح بنقلها)، فأول إن تساهل بتلكم فئام من الناس.. فقلّ منهم نقدهم على الناقل، فإن من الضرورة بمكان التنبيه لأمرين، هنا الشرعي والطبّي، فالأول ما تحدث به النجاة بالحياة الآخرة، والآخر ما تحدث به النجاة بالحياة الدنيا وكلاهما مما لا يُعبث به جمعهما جُملة نقلها عنه الذهبي رحمهما الله (..لا أعلم علما بعد الحلال والحرام، أنبل من الطب) أو أزيد كذلك إضافته بـ(..من حسنت نيته في طلب هذا العلم الشريف، وسخّره لنفع الناس، وإعانتهم، فلا ريب أنه على خير عظيم)، المهم ألا فحبذا ثم حبذا الكفّ.. عن الخوض في هذا، إلا حالتي التأكد من صحة المعلومة 100 %، والحالة الأخرى مما يكن لها ضرورة بالفعل،كفتوى تناسب، أو بين محِلها بين المستجدات ولعلي أسوق- هنا- مثالين لعلهما من مستجدات يلزم جلاء عنهما، وإشاحة اللثام حولهما، فمما اشتهر مسمى (المدينة بالمنورة)، فيما الأولى وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم أن تُنادى- يطلق عليها- بـ(المدينة النبويّة) والآخر تنبيه العلماء إلى عدم جواز الجواب على المسألة التي لا تعلمها أن تقول (الله ورسوله أعلم )، لكن فقط تقول (الله أعلم)، لأنه وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام انتهى الرفع له -.. صلى الله عليه وسلّم- وعلى كل الأحوال كن متفائلا، أي تنقل ما يسرّ فحسب، لحديث غزير في هذا (مفاتيح للخير) عساك تكن من بين أهله، فيما الحذار الحذار أن تكن من الفصيل المذموم وبذات الحديث (..مفاتيح للشر)، ثم لا يخفى حديث (من قال هلك الناس..) ومدلولاته، فكم ممن نقل همّا إلا واستجلب حتما وجها من التعاسة على من حوله.. الذين لا يُعدم بينهم الخوّاف، والحساس، وذاك الذي كل شيء يكاد يعطب انسيابية دُنياه، بل هناك من البشر من يعطيهما هو أكبر من حجمه، وحسب كراهة (..قيل وقال)، ويحضرني هنا جُملة نفيسة للدكتور صفوق العنزي (..ياكثر ما جتنا «حقائق» على طبق من ذهب، واخترنا تجاهلها) يقصد أننا نفعل هذا -التجاهل - بمحض وعينا، فضلا عن ذكرها لغيرنا ولعلي أهمس لمحبين النقل بـ: ما أدراك!
إن تبين لك خطأ ما أوردته.. أن من الحضور من نقله لمجلس آخر، ثم تبين لك خطأ ذاك الخبر.. وكيف ستوصله لمن نقل عنك عساه هو الآخر يصوّبه لمن نقله إليهم وأقصد أن في هذا من التبعات الكثيرة، فالمسألة لا تتوقف عند تعجّل منك.. فيسهل (بعد أن يتبين لك خطأ ذلك) يُسر تفنيدهِ!
والناقل وإن حظي ببعض مدح، من أنه - مثلا- كثير (الاطلاع)، إلا أنه قد يجد جفوة اصطحاب، أو حضور مجلس هو فيه..
فالناس - يا ابن الناس-.. مشبعة بما يؤلم حياتها الخاصة، من التزامات، بل وأينكم من هموم الأقساط، عدا إثقال دُنياهم التي قلّ جدا بحياتنا المُعاصرة من هو بمنأى، أو نجى من تلكم العوالق!
وبالتالي ليسوا بحاجة لمن يزيد من..!، أو كما يقول احبتنا ببلاد الشام: (مو ناقصين)!، ف.. علام يا هذا تزيد من الجرعة أو تصب الزيت على النار بل يقال عند كلمة خير، وإلا احتفظ بما لديك.. عندك!، وحتى ببعض أحداث تقع بحضورك فتحاول.. لتجد من يقول لك وبملئ التنبيه (عندك خير فقله، أو أكرمنا بسكوتك).. أي لا تزيد النار حطبا.. ظنا منك انك تطفئ، فيما أنت تزيد من اشتعالها إشارة قال نبينا صلى الله عليه وسلّم (إن من الناسِ مفاتيحُ للخيرِ، مغاليقُ للشرِ، وإن من الناسِ مفاتيحُ للشرّ، مغاليقُ للخيرِ، فطوبى لمن جعلَ اللهُ مفاتيحَ الخيرِ على يديهِ، وويلٌ لمن جعلَ الله مفاتيحَ الشرِّ على يديه)
الراوي : أنس بن مالك رضي الله، المحدث الألباني رحمه الله - السلسلة الصحيحة
خلاصة حكم المحدث (حسن بمجموع طرقه).