د. عبدالحق عزوزي
استعان الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في خرجاته الانتخابية بشخصيات أمريكية بارزة من أمثال جيمس ديفيد فانس، روبرت كينيدي جونيور وبالأخص إيلون ماسك الذي يتحدث عن قصة نجاحه الإعلام الأمريكي والدولي باستمرار.. وقد عينه السيد دونالد ترامب منذ أيام، مع رجل الأعمال فيفيك راماسوامي، لقيادة وزارة مستحدثة تعنى بـ»الكفاءة الحكومية»، مهمتها الانكباب على خفض الهدر..
وأنا أتابع هذا التحالف بين عالم السياسة وعالم الأعمال، حاولت أن أطلع على المسار التعليمي لصاحب شركة سبايس إكس، الشاب العبقري السيد إيلون رييف ماسك؛ فوجدت أنه مهندس ومخترع خارج العادة. وُلد في جنوب أفريقيا عام 1971، ثم انتقل للعيش في أمريكا وأصبح مليونيراً عندما كان في العشرينات من عمره حين باع شركته الناشئة Zip2 إلى شركة Compaq للحواسيب، وحقق المزيد من النجاح بتأسيسه شركة أيكس دوت كوم X.com عام1999، وشركة سبيس إيكس عام 2002، وشركة تيسلا في 2003 . تصدر ماسك عناوين الأخبار في عام 2012 حين أطلقت شركة سبيس إيكس صاروخاً فضائياً أرسل أول مركبة تجارية لمحطة الفضاء الدولية، وفي عام 2016 ملأ معرض أعماله بصور المدينة الشمسية سولار سيتي SolarCity، ورسخ وجوده على عرش القادة الصناعيين الذين ينظرون إلى المستقبل بذكاء واستراتيجية قل نظيرهما.
المهم عندي أنه وفي سن العاشرة بدأ إيلون بتطوير نفسه تباعاً، فشرع بتنمية قدرته على استخدام الحاسوب وتعلم لغات البرمجة وقد نجح بالفعل، حيث صنع أول برنامج قابل للبيع - قام بتصميم لعبة سماها بلاستر. Blaster
وفي عام 1989 عندما بلغ السابعة عشرة انتقل إلى كندا لارتياد جامعة كوين Queen وهرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الجنوب أفريقي، وفي 1992 غادر كندا ليدرس الفيزياء وإدارة الأعمال في جامعة بنسلفانيا Pennsylvania، وبالفعل فقد حصل على شهادة في الاقتصاد ثم أكمل دراسته للحصول على درجة بكالوريوس ثانية في الفيزياء.. وأنا أتابع مسيرته، وجدته أنه يتغاضى عن تعليم ابنائه الصغار في المؤسسات التعليمية الأمريكية، لأنها في نظره لا تشجع المهارات ولا تخلق الإبداع في عقول الأطفال، لذا بدأ في رسم خريطة تعليمية خاصة لأبنائه!
أقول هذا الكلام لأن الأمم لا يمكن أن تتطور إلا بتشجيع البحث العلمي بكل الطرق الذكية الممكنة، وقبل هذا وذاك يجب غرس فيروس الإبداع والبحث والثقة في نفوس الأطفال والطلاب؛ لذا يجب التفكير بجدية في إنشاء برامج ومشاريع ومعارف متطورة ومحفزة، وهو مما قد يشكل نقلة نوعية في مجال خلق أرضية مشتركة للتكوين والإبداع؛ ولا يخفى على أحد الدور الهام الذي تلعبه الجامعات في تحريك التنمية لأن الجامعات هي أرفع المؤسسات التعليمية حيث يلعب البحث والتطوير الذي تنفذه الجامعات ومؤسسات التعليم العالي دوراً أساسياً في منظومة البحث والتطوير في أي بلد من البلدان التي تنشد الرقي والتقدم، مما يتطلب تحفيزا من الجميع وتعاونا وثيقا بين الجامعات والمؤسسات المختلفة للوقوف على قدرات الجامعات العلمية والتقنية من جهة، والتعرف على حاجات مؤسسات المجتمع المختلفة بعامة، والمؤسسات الإنتاجية بخاصة من جهة أخرى. لكن هل الجامعة مكان يتعلم فيه الطلاب طريقة التفكير أو مكان لاكتساب القدرات لولوج سوق الشغل بعد ذلك؟ إنه السؤال الفلسفي الأساسي الذي يطرح نفسه. وهنا أيضا، على الجامعة أن تفهم أن هناك مسؤولية أخرى على عاتقها ألا وهي التحفيز على الإبداع.
ويقيني أنه يجب أن تكون المساعدة على ذلك من أحد أهداف الجامعة، وهاته الثقافة للأسف الشديد هي غائبة في العديد من البلدان العربية، فالثلاثية جامعة - حكامة - صناعة، هي التي تبني الأمم الغربية وتقوي صناعاتها وتساهم في بناء الحاضر والمستقبل.
هاته إذن بعض الأفكار المهمة والهادفة التي يجب أن تقوم عليها الجامعة، كقطب رئيسي وأول في خدمة وبناء وتطوير المجتمع، وهي كما يمكن أن يرى كل متتبع لبيب، الشروط التي تقوم عليها الجامعات الغربية والتي منها بلورت كل الصناعات الحديثة ومنها تخرج أصحاب جوائز نوبل والمبدعون وأصحاب الاختراعات المتتالية، وبدونها تبقى الجامعة مؤسسة عديمة النفع قائمة على التلقي والحفظ واجترار ما سطره الأولون والآخرون.