د.محمد بن عبدالرحمن البشر
التسويق علم وفن ومهارة، وهو بجانب ذلك يتطلب إقداماً وصبراً ودراسة علمية لمتطلبات المجتمع، والحالة النفسية للمستهلك، بعد اختيار الفئة المستهدفة من قبل المسوق، ويبدو أن هذا النوع من الفن التسويقي سائد منذ قرون مضت، وهذا بلا شك ليس بغريب فالطبيعة البشرية تتنوع أذواقها وقدراتها المالية ومقدار الحكمة لديها، ويلعب التاريخ وثقافة المجتمع والعادات السائدة دوراً كبيراً في هذا المضمار.
في عصرنا الحاضر أصبحت سبل التسويق لا حصر لها سواء من حيث أسلوب الطرح أو الوصول إلى المستهلك أو سرعة التواصل والتوصيل، وكذلك تنوع المنتجات التي لا تقتصر على سد حاجة الفرد، وإنما تتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك مثل المباهاة، وحب التميز، والمبالغة في ذلك، ولا شك أن المسوقين يتسابقون على استغلال ما هو متاح للوصول إلى تعظيم الفائدة، والحصول على أعلى ربح ممكن بأقل التكاليف الممكنة.
في زمن الفراعنة كان الذهب متوافراً بقدر كاف جداً، وهو بلغتهم يقال له نب، ولهذا سميت النوبة بهذا الاسم، لأنها كانت موطن توافر الذهب وإنتاجه وكان الفراعنة - لا سيما الطبقة الثرية - تحرص على التحلي بالذهب، غير أن الفضة لم تكن موجودة في مصر ذلك الوقت، ولهذا فقد امتد نفوذهم شمالاً للحصول على بعض الفوائد والمميزات ومن ضمن ذلك الحصول على الفضة، التي تستخدم حلياً للنساء وقد يتحلى بها الرجال أيضاً.
كانت حاجة الإنسان إلى وقت قريب محدودة، فهي قد تكون ملبساً يستره ويقيه البرد، أو مأكلاً يسد رمقه، أو دابة يركبها وزينة، قال تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، وجميع متطلبات الإنسان في ذلك الوقت لها مسوقون، ويكون مقدار ربحهم مبنياً على مهارتهم في التسويق، مثل اختيار الزمان والمكان ونوعية المنتج الذي يناسب متطلبات المجتمع، فالتمر مثلاً في الجزيرة العربية أكثر أهمية منه في الشام.
في عالمنا الحالي أصبح هناك علامات تجارية معروفة فرضت نفسها على المجتمع العالمي بأسره، وأخذ الناس يتسابقون على اقتناء منتجات تلك العلامات التجارية التي يرونها مميزة، ربما في اسمها وليس بالضرورة أن تكون في جودتها، أخذ البعض يحاول تقليد تلك العلامات التجارية وهذا بلا شك ممنوع من الناحية القانونية في العالم أجمع، لكن حرص بعض الطبقة الكريمة غير القادر على ثمن المنتج الذي تنتجه الشركات ذات العلامة التجارية المشهورة قد يدفعها إلى شراء سلعة مقلدة مع أنها غير قانونية.
آخر ما سمعت أن هناك منتجات جلدية ولا سيما الحقائب اليدوية، تدعي بعض العلامات التجارية أنها صنعت من جلد تمساح أبرص، ولم أستوعب أن يكون لجلد التمساح الأبرص تميزاً يجعله يباع بأسعار غالية جداً، بحجة ندرته، وأن من يقتني هذه الحقائب النفيسة قد حصل على سلعة نادرة، يصعب على الآخرين الحصول عليها، وبهذا فهو يتميز عن أقرانه، وهكذا يكون فن التسويق الذي يخلق من العدم مالاً وربحاً هائلاً، بمجرد فكرة جديدة يتم طرحها وتسويقها من مصدر أصبح رمزاً للتميز، بغض النظر عن تكلفة الإنتاج أو جمال المنتج.