د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
من استعمال المحدثين ما يعاند نظام العربية فلا يجري على سننها، ومن ذلك أنهم يجمعون بين العاطفين، فيأتون بالواو ويتبعونها (حتى)، ويأتون بـ(بل) ويتبعونها (حتى)، وهم بذلك يعطفون بحرفي عطف، ولعل الذي غرّهم أن (حتى) قد تأتي في التراث بعد الواو وبعد (بل) دالة على الغاية، أو دالة على التعليل، أو على الابتداء، فمن دلالتها على الغاية النص: «وأن أحدهم ليجوع حتى يشدّ على بطنه الحجارة، وحتى يعتصم بشدة معاقد الإزار»(1)، و«قَالَ: نَعَمْ، كَمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ؟ أَيَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: لا؛ بَلْ حَتَّى نُكَاتِبَ أَهْلَ رَأْيِنَا وَرُؤَسَاءَ قَوْمِنَا»(2). وقول الجرجاني «وجملةُ الأمر أنك لن تَعْلَمَ في شيءٍ منَ الصناعات عِلْمًا تُمِرُّ فيه وتُحلي، حتى تَكونَ ممن يَعْرفُ الخطأَ فيها مِن الصَّواب، ويَفْصِلُ بينَ الإِساءةِ والإِحسان، بل حتى تُفاضِلَ بينَ الإِحسان والإِحسان»(3). وأما الابتداء فقال ابن هشام «وَقد دخلت حَتَّى الابتدائية على الجملتين الاسمية والفعلية فِي قَوْله[امرئ القيس]
210 - (سريت بهم حَتَّى تكل مطيهم ... وَحَتَّى الْجِيَاد مَا يقدن بأرسان)
فِيمَن رَوَاهُ بِرَفْع (تكل) وَالْمعْنَى حَتَّى كلت؛ وَلكنَّه جَاءَ بِلَفْظ الْمُضَارع على حِكَايَة الْحَال الْمَاضِيَة كَقَوْلِك: رَأَيْت زيدًا أمسِ وَهُوَ رَاكبٌ، وَأما من نصب فَهِيَ (حَتَّى) الجارة كَمَا قدمنَا، وَلَا بُدَّ على النصب من تَقْدِير زمن مُضَاف إِلَى (تكل) أَي: إِلَى زمَان كلال مطيهم»(4).
وأما المحدثون فمن مُثُل استعمالهم قول أحدهم «أعاني من مرض نفسي أفسد عليّ حياتي بل حتى في لحظات الفرح»، يريد: أعاني من مرض نفسي أفسد عليّ حياتي حتى في لحظات الفرح. وطائفة من نصوص الصحافة مثل: «(الأوقاف): بدء تسجيل الراغبين بأداء فريضة الحج غدًا الأحد إلكترونيا وحتى 17 الجاري» والصواب: حتى 17 الجاري، «الولادة القيصرية من الرابعة وحتى السادسة» والصواب: حتى السادسة، «وزارة الكهرباء: انتهاء جدول تخفيف الأحمال اليوم وحتى نهاية الصيف»، والصواب: حتى نهاية الصيف، «إغلاق جميع الحدائق العامة.. اعتبارًا من اليوم وحتى إشعار آخر»، والصواب: حتى إشعار آخر.
ولم تسلم الأعمال العلمية كمقدمات محققي الكتب، والرسائل العلمية، ومن هذه النصوص «تتلمذ عدد من الأئمة عليه مثل مسلم وأبي داود، بل حتى الإمام أحمد، حدَّث عنه» أي: حتى الإمام أحمد، «بل وتنافسوا على استصحاب العلماء في مجالسهم، وإسناد وزارات الدولة ووظائفها إليهم، بل حتى في جمع الكتب وحيازتها» أي: حتى جمع الكتب وحيازتها، ومن ذلك قول محقق «تناول ابن إسحاق في كتابه ثلاث موضوعات اعتبرها مترابطة: أخبار الخليقة من آدم وحتى إسماعيل»، أي: حتى إسماعيل، «وهي تروي أخبار الحوادث التي وقعت مع نهاية معركة بدر الكبرى وحتى نهاية معركة أحد»، أي: ونهاية معركة أحد. ومن ذلك «وكان الصحابة والتابعون وحتى من بعدهم يسمون اجتهادهم رأيًا»، أي: حتى من بعدهم.
ونجد في شرح من شروح المحدثين لألفية ابن مالك «الرحمن: عام المعنى، من حيث إن الرحمة تشمل الكافر والمؤمن، بل حتى البهائم»، يريد: حتى البهائم.
وقد صرح النحويون بمنع دخول العاطف على مثله، قال السهيلي «واعلم أن (لكن) لا تكون حرف عطف مع دخول (الواو) عليها، لأنه لا يجتمع حرفان من حروف العطف، فمتى رأيت حرفا من حروف العطف مع الواو، فالواو هي العاطفة دونه، فمن ذلك «إما» إذا قلت: إما زيد وإما عمرو.
وكذلك (لا) إذا قلت: ما قام زيد ولا عمرو ودخلت (لا) لتوكيد النفي. وكذلك (لا) لتوكيد النفي، ولئلا يتوهم أن (الواو) جامعة، وأنت نفيت قيامها في وقت واحد»(5).
وقال ابن يعيش «لا يجوز دخول حرف العطف على مثله، إذ من المحال عطفُ العاطف»(6).
ويبيّن أبوالفداء الملك المؤيد أن الواو التي تدخل على (لكّن) تتخلف «إذا خففت لكن كانت حرف عطف فلم يجز معها ذكر الواو لامتناع دخول حرف العطف على مثله»(7).
واستدل البغدادي بدخول واو العطف على أن (حتى) غير العاطفة، «ويدلك على أنها ليست العاطفة دخول حرف العطف عليها في قوله:
وحتَّى الجياد ما يقدن بأرسان
وحرف العطف لا يدخل على مثله»(8).
———
(1)البخلاء للجاحظ، ص: 282.
(2) تاريخ الطبري، 3/ 520.
(3) دلائل الإعجاز لعبدالقاهر الجرجاني، 1/ 37.
(4) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، ص 174-175.
(5) نتائج الفكر في النحو للسهيلي، ص: 202.
(5) شرح المفصل لابن يعيش، 5/ 26.
(6) الكناش في فني النحو والصرف لأبي الفداء الملك المؤيد، 2/ 101.
(7) شرح أبيات مغني اللبيب لعبدالقادر البغدادي، 3/ 121.