عبدالله إبراهيم الكعيد
يُعرف عن الخرفان (جمع خروف) انضباطها التام في الطاعة والاتباع. الخروف القائد يبادر بفعلٍ فيتبعه بقية القطيع بذات الفعل دون أدنى تفكير أو اعتراض. يقذف نفسه في النار فيقذف بقية الخرفان أنفسهم بما فيها الإناث إلى النار دون تردد.
أكثر من حلل تلك الظاهرة بالتفصيل الطبيب الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه الشهير سيكولوجية الجماهير، ولكن حكاية اليوم ربما سبقت كتاب مسيو لوبون إذ أصبحت عبارة «خرفان بانورج» مصطلحاً فرنسياً يُشير إلى انسياق القطيع بلا وعي أو إرادة وراء آراء أو أفعال الآخرين. ولهذا المصطلح حكاية كتبها كاتب فرنسي عن تاجر معه قطيع من الخرفان فوق سفينة وكان هذا التاجر جشعاً، عديم الأخلاق. وحدث أنه تشاجر على متن السفينة مع أحد الركاب ويدعى «بانورج» فأراد هذا الأخير الانتقام من التاجر الجشع فعرض عليه شراء أكبر خرافه وأقواها بسعر كبير. شعر التاجر بالسعادة لبيعه الخروف بهذا السعر، وبعد إتمام الصفقة سحب بانورج الخروف من قرنيه ورمى به في البحر. وعلى الفور تبعت الخرفان الخروف الكبير وألقت بنفسها في البحر وراءه وسط ذهول الجميع وحزن التاجر الذي حاول التمسّك بآخر خروف أملاً بإنقاذه، ولكنه رمى بنفسه في البحر ومعه التاجر الذي مات غرقاً مع خرفانه.
انسياق بقية القطيع دون تفكير لما يفعله فرد منهم حتى ولو كان عشوائياً سمة للغوغائية المنفلتة. دعونا نضرب مثلاً واحداً يوضّح الجزء الأخر من حكاية خرفان بانورج. وقت المظاهرات الجماهيرية الكبيرة. تبدأ بهدف محدد مسبقاً وهو ما يدعو السلطات المعنية السماح لقادة المظاهرة بقيامها بعد الاتفاق على قيود أمنية محددة. الذي يحدث في الغالب الخروج بنتائج كارثية بعد فض الشغب الذي افتعله الغوغاء.
يحدث أن تسير الجموع وفي ذهن كل فرد فيها الهدف الأسمى من الانضمام للمظاهرة ولا سيما والمطالب مشروعة (رغم أني وحسب معرفتي لم أسمع عن أي مظاهرة حققت أهدافها)، لنتابع المشهد الذي يتكرر في معظم الحالات. ترتفع وتيرة غضب جمهور المظاهرة. ويقوم أحد الغاضبين بفعلٍ عنيف كأن يرشق متجراً لا علاقة له بالمطالب الذي خرجت المظاهرة من أجلها. كأن يكون مخبزاً يُنتج أرغفة للجوعى كل صباح، فيحطم واجهته الزجاجيّة. يسمع فرد ثانٍ صوت تحطم الزجاج فيستثار أكثر متهوراً آخر فيقوم بإلقاء زجاجة حارقة (مولوتوف) على ذات المكان البريء فيتم حرقة بالكامل.
لو سأل الضابط النظامي بعد القبض على مثيري الشغب لماذا كسر الأول واجهة المخبز، وسأل الثاني لماذا ألقى الزجاجة الحارقة لما استطاعا الإجابة بمنطق مقبول لأفعالهما.
في السياق ذاته لو كانت خرفان «بانورج» تنطق وتم سؤال عينة عشوائية منها لماذا تقفز لحتفها لما سمعنا جواباً منطقياً، بل سينطبق عليهم الحديث المأثور «لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه حذو القذّة بالقذّة».