علي الخزيم
= الـتأتأة؛ أو كما يقول بعض العرب: التَّلعثم: هو عارض يصيب نسبة قليلة من البشر فلا يساعد المصاب على إتقان مَخارج الحروف والكلمات فيصعب عليه ذلك بمواقف مختلفة لأسباب تحيط ذاك الموقف كأن يكون مندفعًا لإيضاح فكرة أو رأي، وإن كان في أحيان كثيرة يتحدث بسلاسة دون عوق وتلعثم، وقد تجبره الضغوط والإرهاق على فقد الدرجات العليا من الإفصاح والبيان، على أن الطّب يحدد زمن الإصابة بهذا العارض بسن مبكرة من الطفولة ويتحسن النطق بمرور الزمن، وإن استمر يخضع لعلاج متخصص.
= ومع أن نسبة الإصابة بالتلعثم تُعد ضئيلة أمام تعداد البشر على الكرة الأرضية إلَّا أن يوم (22 أكتوبر) من كل عام تم تحديده ليكون يومًا عالميًا لتعميم وتكريس التوعية والإرشادات الناجعة لمعالجة هذا النوع من التلعثم عند الصغار قبل الكبار، ولتوحيد الجهود الرامية لتثقيف المجتمعات تجاه تلك الإصابات والإقناع بأنها أمور عرضية تزول بالغالب الأرجح؛ ولا تعوق نجاحات الباحثين عن التقدم والرقي بأنفسهم ومجتمعاتهم.
= في بعض المجتمعات يواجه المصاب بالتأتأة حرجًا من أقرانه؛ ويزداد الحرج والانقباض إذا ما قوبل تلعثمه بابتسامات الصغار الخفية التي تَنم عن تنمر واستخفاف بوضعه، أو لمنحى باتجاه وصْمِه بالقصور عنهم وعن مهاراتهم بالنّطق والحديث، وهي قطعًا لمحة قاصرة من الصغار تجاه زميلهم بسبب نقص الثقافة والتوعية بذاك المحيط الاجتماعي، وهذا ما يسعى اليوم الأممي للتلعثم والتأتأة للتنبيه إليه.
= وفي مسألة تكثيف التوعية والتثقيف حول هذا الجانب يكون من واجبات القنوات والبرامج الإعلامية المتخصصة بالتعاون مع المدرسة وبمشاركة المجتمع وأولياء أمور التلاميذ المصابين حشد الطاقات الملائمة والتئامها مع جهود المؤسسات الطبية الصحية لرفع مستويات الوعي والفهم الواضح لهذا العارض؛ والتنبيه إلى أنه مِمَّا لا يُعيب صاحبه ولا ينقص قدره أمام الغير، وأنه من الثابت أن الكثير مِمَّن أصيبوا به لفترات قد حازوا درجات عُليا من التفوق والنجاح بحياتهم الاجتماعية والوظيفية.
= هنا أود التأكيد على دور المدرسة والمعلمين كافة للنظر جديًا للآثار النفسية التي تنتاب تلاميذهم الصغار المصابين بهذه الحالة، ورفع معنوياتهم والأخذ بأيديهم للتصدي لتلك المشاعر التي ترهق عقولهم وأنفسهم جَراءَ ما يتلبسهم من حالات القلق والتردد حين الحديث للمعلمين والزملاء من التلاميذ، والعمل على نقل الثقافة والتوعية المنشودة بهذا الاتجاه لترسيخها بأذهان الجميع (المصاب وغيره) داخل المدرسة، والحث على نقلها للمنزل والمجتمع.
= وفي ظل التقدم العلمي والطبي باتت مثل هذه الحالات (بأسبابها وآثارها) مفهومة ضمن ثقافة عامة عند البعض، وأنها ليست من العيوب التي تستدعي التخفي والاحتجاب عن المجتمع، وقد سجل التاريخ القديم والحديث العديد من الأفذاذ والقادة والحكماء البارزين المبدعين بمجالات متعددة، وديننا الإسلامي الحنيف يحث ويدعو إلى الصدود والتغافل عما يلحق بالآخرين من أذى، بل إنه يندب للسعي لمساعدتهم إن لم يكن بالنصح والتشجيع فليكن بالصُّحبة الحسنة؛ والمعاشرة الإنسانية بالمعروف، وليَخشَ المُتنمر والمستهزئ المتعالي على مثل هؤلاء أن تحيق بهم مصيبة يصعب تجاوزها.