فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
هذه مقال كتبته منذ زمن، تذكرته اليوم وأنا أتابع مؤتمر (COP16) ربما يكون الوقت مناسباً لنشره في هذا الوقت الذي تقوم فيه دولتنا وقيادتها الحكيمة لما يخدم مستقبل الإنسانية.
الماء.. الماء.. الماء هو الحياة، هو الأساس، وهو الاستراتيجية المستقبلية التي ستجمع وتفرق دولاً وشعوباً، وستقرر مصير أمم وعلاقاتها اعتماداً على هذه الثروة التي يجب أن نعطيها أول اهتماماتنا خصوصاً في بلد مثل المملكة العربية السعودية.
المملكة العربية السعودية من أكبر المستثمرين في إيجاد حلول بديلة كما نرى في مجال تحلية المياه أو (إعذاب المياه). وفي المملكة ما يقارب ربع ما في العالم من محطات لإنتاج المياه المحلاة، فالحاجة بسبب شح المياه الطبيعية يعود لجغرافية المملكة وطبيعتها، وكذلك التزايد الكبير في عدد السكان ومتطلبات الزراعة والصناعة، إضافة إلى الهدر في الأنظمة والاستعمال التي حتمت إيجاد بدائل بادرت الدولة بمجهودات جبارة واستثمارات كبيرة في هذا الحقل. إن هذه التقنية مكلفة ويجب التركيز على البحث والتطوير لإيجاد حلول لخفض التكلفة، كما يجب أن نشجع ونؤكد المشاركة في نقل التقنية وتطويرها مع الشركات الصانعة، إضافة إلى خلق فرص وإيجاد صناعة تُعنى بقطع الغيار ومتطلبات هذه التقنية. هذا ويجب التنسيق بين مراكز الأبحاث سواء في الجامعات أو مع المؤسسة العامة لتحلية المياه، تضامناً مع القطاع الخاص المتخصص في هذا المجال، لعلنا نجد الحلول ونخفض من التكاليف، ونتجنب التكرار في مراكز الأبحاث والتطوير.
هذه المقدمة تقودني إلى صلب الموضوع وهو شعوري كأي مواطن يؤمن بهذا الوطن ويتطلع إلى مستقبل نبنيه لأجيالنا القادمة، ولعلمي الأكيد بما تحمله قيادتنا من مسؤولية تؤكد اهتمامها بما يخدم المواطن ويكفل له أسس الحياة الهنيئة المريئة ومقوماتها.
فأمامنا شقان أساسيان في معادلة المياه ومواردها:
الأول: يتعلق بمصادر المياه الجوفية والمحلاة أي المعذبة ومياه الأمطار والسدود وما قد يستجد من موارد.
الثاني: يختص بالمياه المستعملة كمياه الصرف الصحي والمياه المستخدمة في الصناعة والري.
إن المسؤولية كبيرة جداً، وأساس تحملها يحتم علينا توحيد الهدف بإيجاد السبل والوسائل لبناء استراتيجية مرحلية لمواجهة الواقع بالنظر إلى المستقبل، وهذا لن يتم إلا بإرادة سياسية عليا تبدأ بالتنسيق مع الجهات الحكومية والجهات الأخرى التي لها علاقة بالمياه سواء داخلياً أو خارجياً، وذلك لبناء قاعدة للمعلومات لتكون أساساً للاستراتيجية المتوخاة.
من هذا المنطلق أود أن أستعرض بعض ما اطلعني عليه الإخوة الزملاء في جامعة الملك عبدالعزيز وبالتحديد في مركز أبحاث المياه من معلومات وأرقام، وكما هو معلوم أن هناك ما يقارب 30 % من التسرب في معظم الأنظمة العالمية وهو متوسط مقبول عادة، ولكن في أكثر أنظمتنا معدل التسرب يزيد على 50 %، وفي حالات أخرى قد يصل إلى أكثر من 90 %. وهنا يجب أن نتوقف حيث إن معظم الدول تحصل على مياهها من مصادر طبيعية كالأنهار والبحيرات والسدود، ولكننا نجد أن أكثر من 45 % من المياه تُدفع فيها مبالغ كبيرة حيث إنها محلاة أو مُعذبة، ويجب أن نتساءل: أليس من المفروض أن التسرب لدينا أقل من المعدل العالمي بسبب التكلفة العالية التي تدفعها للحصول على هذه المياه؟ كذلك يجب أن يكون هناك وعي لدى المواطن وخصوصاً المزارعين والصناعيين بإيجاد حلول لاستعمال المياه، بما يوفر ويحفظ المخزون بأساليب حديثة وبأنظمة متطورة توفر علينا الكثير من الهدر وتؤمن مستقبلنا، حيث إن الخيار على سبيل المثال بإيقاف مزرعة كبيرة أو اثنين بجوار مدينة كبيرة ربما وفر علينا الكثير وضمن مستقبل أجيالنا.
المشكلة تتفاقم وتتعاظم في المدن الكبيرة بسبب مياه الصرف الصحي والأساليب القديمة في التمديدات لمياه الشرب، كذا بالتوسع العمراني والاحتياج إلى أنظمة جديدة لمعالجة المياه الجوفية، وسير بعض مجاري المياه الطبيعية وتسربها من خلال الطبقة التحتية بسبب هذا التوسع.
أما العقبة الكبرى التي تقع على عاتق المواطن وعلى أي مستوى وفي كل مجال، فهي (الوعي)، الوعي هو كل ما نحتاج، حيث يجب أن ينبع ذلك الوعي من شعور المواطن بمواطنته الحقيقية ومسؤوليته تجاه نفسه وأجيالنا القادمة، وبث الوعي يقع على المؤسسات الحكومية والخاصة بنشر المعلومات، وتبني الحملات ومساعدة المواطن لتفهم خطورة الوضع، وما يجب أن يقوم به بتمكينه من الحصول على الأرقام الصحيحة والحقيقية وشفافية المعلومة التي تصل إليه.
الحلول هي كل ما نرجو، بل هي كل ما يجب أن نكون قد بدأنا به الأمس قبل اليوم، فليس هناك حل سحري أو حل سيتحقق بين يوم وليلة أو حتى خلال أشهر أو سنوات، ولكن الحل يجب أن يبدأ بالخطوة الأساسية، وهي بجمع المعلومة والتنسيق والتوحيد لبدء معالجة الوضع واتخاذ القرار الحازم على مستوى الوطن والمواطن، حيث تشارك الحكومة والقطاع الخاص في بناء الاستراتيجية الواضحة المدروسة والمبنية على حقائق وأرقام ربما تكلفنا الكثير اليوم ولا تُرضي بعضاً منا، ولكنها ستضمن بقاءنا ومستقبلنا بإذن الله.
فكما بدأت بأن الماء هو الحياة، وأن الحياة من أهم أسسها الغذاء، فلابد أن نوجد التوازن، وأن نحقق التوازن العادل بين الماء والغذاء، حيث إن معظم ما يصرف من الماء، بل وأكبر نسبة مئوية في معادلة المياه تستحوذها الزراعة.
الحاجة الماسة تحتم وجود هذا التوازن وتوحيد المياه ومواردها وأبحاثها ومعلوماتها تحت مظلة تُعنى بمسؤولياتها لتكون الأمل الكبير في إيجاد الحلول.