د.محمد بن عبدالرحمن البشر
عاد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو رجل الأعمال الذي استطاع هزيمة سيدتين، وانهزم أمام رجل، ولم يكن له باع في السياسة مثل سلفه، كما أنه ليس لدية تأهيل علمي مثل منافسته، لكنه مع هذا استطاع إلحاق الهزيمة بالحزب ومرشحته.
وقبل الحديث عنه يمكن الوقوف عند علاقته بالمملكة في فترته الأولى، فقد أدرك مسبقاً أن المملكة أكثر دول الشرق الأوسط تأثيراً، وأكبرها اقتصاداً، وأجدرها بقيادة العالم العربي والإسلامي، لمصداقيتها وحرصها على التمسك بالثوابت، وأنها تضع في أولويتها أن يعم السلام المنطقة والعالم، وهي دائماً تنادي بتطبيق القانون الدولي، دون تمييز، ولهذه الأسباب فقد جعلها في فترته الأولى أولى محطاته في جولته الخارجية، كما أظهر تعاوناً مع المملكة بما يحقق مصالح الطرفين.
ترامب دخل ميدان السياسة من أعلى السلم فلم يمارسها من قبل ولم يكن حاكماً سابقاً لإحدى الولايات، أو نائباً في مجلس النواب، أو عضواً في مجلس الشيوخ، كما لم يكن موظفاً حكومياً، فقد قفز إلى سدة الحكم بعد أن رشح نفسه عن الحزب الجمهوري، وفاز في الانتخابات الأولية لولايته الأولى، وحصل على مباركة الحزب له لإعادة ترشيحه فخسر الانتخابات وفاز بها بايدن، وانهالت عليه الدعاوى والاتهامات من كل حدب وصوب، وظل ينافح بلا تراجع، وعندما حان مؤتمر الحزب للترشيح الحالي تعالت أصوات من حزبه ضده ورشح بعضهم نفسه لمنافسته، فهدد بإقامة حزب جديد اسمه جاما، فخشي الحزب الجمهوري من ذلك، لأنه سوف يضعف الحزب أو ينهيه، لانصراف الناخبين إليه، فوافقوا على إعادة ترشيحه عن الحزب، ولم يصمد أحد أمامه، فأصبح المرشح الرسمي والوحيد عن الحزب الجمهوري، وكانت مناظرة بينه وبين مرشح الحزب الديمقراطي الرئيس بايدن، واتضح البون الشاسع بين الرجلين، فأظهرت استطلاعات الرأي تفوقاً كبيراً للرئيس السابق والمرشح الجديد ترامب، واستمرت الاستطلاعات تُظهر تقهقر شعبية بايدن أمام ترامب في كل استطلاع للرأي فخشي الحزب الديمقراطي الفشل، وأخذ داعموه الكبار يسحبون البساط من تحته، وهو يرفض الامتثال، فلما أيقن بقرب أفول نجمه الذي لم يكن ساطعاً، انسحب على مضض ورشح نائبته.
الرئيس السابق ترامب له شخصية قادرة على تجييش الجماهير فهو يدلج من الباب الذي يستهويهم، ويحسن الهروب من نقاط ضعفه، فقد جعل الهجرة غير الشرعية والمهاجرين في رأس أولويات حملته، لكونها تؤدي إلى مضايقة المواطنين في أرزاقهم، ومنافسة الغرباء غير الشرعيين لهم، وبهذا كسب أصوات الكثير من الذكور ذوي البشرة السمراء، وأذكر أن أحد رجالات حملته من ذوي البشرة السوداء سأله المذيع عن سبب تأييده لترامب، فقال : في نهاية المطاف ما يهمني فيما يطرح هو الوضع المادي لي ولأفراد أسرتي، وهو ما أرى أن ترامب يحققه أفضل من منافسيه.
وترامب تمكن من الهروب من نقطة ضعفه في الإجهاض، وكانت إجابته أنه يتركها للولايات، وعلى كل ولاية اتخاذ ما تراه مناسباً، وهرب من السؤال عن حرب غزة ووعد بإنهائها لكن لم يقل كيف، وهل يتم ذلك بحل عادل أو فرض ما تريده إسرائيل، فهو يعلم أنه قد منح إسرائيل القدس والقنيطرة، وبايدن أيضاً لم يتراجع عما فعله ترامب من خطوة تخالف القانون الدولي وجميع مواقف دول العالم، وبعد اجتماعه مع العرب، وعدهم بالنظر في مطالبهم لكن لم يعطهم شيئاً، وفي أوكرانيا أيضا وعد بالحل لكن دون الإجابة على كيف.