د.عبدالله بن موسى الطاير
الحرب في غالبها مؤشر أو نتيجة لفشل كل من الدبلوماسية والسياسة، دون تغاض عن أسباب أخرى أقل شأنا، فعندما تنهار الاتصالات الدبلوماسية، وتفشل قنواتها في حل النزاعات سلميًا، لأن التفاوض على سبيل المثال جرى بشكل سيئ، أو أعاقت المطالب غير الواقعية الجهود الدبلوماسية، تفقد الأطراف المتنازعة ثقتها ببعضها البعض، ويتراجع إيمانها بفاعلية الدبلوماسية، مما يخلق بيئة تتصاعد فيها التوترات، ويكون الطرفان أو الأطراف أكثر ميلًا واستعدادًا إلى اللجوء إلى القوة العسكرية، وتصبح الحرب أكثر احتمالية.
فشل الدبلوماسية ينشأ عادة عن عجز في السياسة، فالصراعات القومية أو الأيديولوجية التي تروج للعدوان أو التوسع والصراع، والضغوط السياسية الدافعة باتجاه الحرب، والقيادة الضعيفة أو غير الكفؤة التي تفاقم التوترات وتجعل من الصعب إيجاد حلول سلمية للنزاعات الدولية، جميعها تسهم في شلّ العمل الدبلوماسي وتغلق عليه المنافذ للتسويات السلمية.
غياب المشيئة السياسية في توفير غطاء داعم للجهد الدبلوماسي، ليس في كل الحالات قرارًا اعتباطيًا، وإنما تعمل كل من المنافسة الشرسة على الموارد أو الأسواق، واجترار المظالم التاريخية، واستدعاء التوترات العرقية أو الدينية التي تفاقم الانقسامات وتزيد من حدة التحريض على العنف، على تقييد الإرادة السياسية، وبالتالي فشل الدبلوماسية.
الدبلوماسية هي فن وممارسة إجراء المفاوضات بين ممثلي الدول أو الأطراف، وهي تنطوي على التواصل والإقناع والتسوية للتوصل إلى حلول مقبولة للطرفين بعيدا عن الحلول المسلحة.
توظف الدبلوماسية فنون التفاوض، والوساطة، والمعاهدات والاتفاقيات، والمنظمات الدولية، في مقدمتها مجلس الأمن المعني بفرض وحفظ السلم والأمن في العالم. في المقابل فإن السياسة هي العملية التي تُتخذ بها القرارات على مستوى الدول أو الأطراف، وهي تعني ممارسة السلطة من خلال استعراض ديناميكيات القوة، والمصالح والأيديولوجيات، والرأي العام المتماسك والداعم، وتبني السياسات التي تعبر عن الإرادة والقوة السياسية.
ومنذ تشكلت الدولة الحديثة، وانضوت الدول تحت مظلة الأمم المتحدة لعبت الدبلوماسية والسياسة أدوارًا حاسمة في كل مرحلة من مراحل الصراع. فالدبلوماسية الوقائية تضطلع ببذل الجهود لحل النزاعات سلميًا قبل أن تتفاقم إلى صراع مسلح، قد يتضمن ذلك المفاوضات أو الوساطة أو تدابير بناء الثقة. وتزن الحكومات في مرحلة ما قبل اندلاع الصراع المسلح التكاليف والفوائد السياسية المترتبة على الذهاب إلى الحرب، مع مراعاة الرأي العام والتحالفات والعواقب الاقتصادية المحتملة.
أما إبان الحرب فتنشط المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار وإحلال السلام، وحتى في أتون القتال العنيف، تظل القنوات الدبلوماسية مفتوحة لاستكشاف إمكانيات إنهاء الأعمال العدائية.
مسار الدبلوماسية والسياسة لا يتوقف بنهاية الحرب، وإنما ينشغل بصياغة معاهدات واتفاقيات السلام، فالدبلوماسية ضرورية لتأسيس نهاية رسمية للصراع وتحديد شروط فترة ما بعد الحرب، وإعادة الإعمار وتعزيز المصالحة بين الخصوم السابقين.
الدبلوماسية والسياسة ليستا منفصلتين عن الحرب، بل جزء لا يتجزأ منها، وغالبًا ما يتطلب الحل الناجح للصراعات مزيجًا من الجهود الدبلوماسية والإرادة السياسية، لأن التفاعل بين الدبلوماسية والسياسة يمكن أن يؤثر على مسار الحرب ونتائجها. ومن حيث المبدأ تسعى الدبلوماسية إلى إيجاد حلول سلمية، في حين توفر السياسة الإطار الذي يتم من خلاله متابعة هذه الحلول وتنفيذها. وكلاهما ضروري لمنع الصراعات وإدارتها وحلها.