د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
وضعت قمة العشرين في ريودي، مكافحة الجوع على رأس أولويات القمة، وأن الجوع لا ينجم عن نقص الموارد أو المعرفة، بل ينجم عن نقص الإرادة السياسية لضمان وصول الغذاء، ولم يربط الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفيا الجوع بالتغيرات المناخية أو التسخين الحراري، ما جعله يطلق تحالف عالمي ضد الجوع والفقر ليسا نتيجة للندرة أو الظواهر الطبيعية، بل هما نتيجة لقرارات سياسية تؤدي إلى استبعاد جزء كبير من الإنسانية، فيما ركزت القمة بشأن تمويل الحلول المناخية للبلدان النامية، حيث شددوا في الجزء الأصعب من المهمة ينبغي إنجازه في باكو لأن القمتان عقدت في آن واحد.
وأعرب قادة العشرين في نهاية قمتهم عن التزام الدول الصناعية والناشئة الرائدة في العالم عن التزامهم بفرض ضرائب أكثر فاعلية على فائقي الثراء للالتزام بالحد الدولي المتفق عليه من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، ولم يتطرق بيان ريو إلى مسألة الخروج التدريجي من مصادر الطاقة الأحفورية التي تم الاتفاق عليها خلال مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين للمناخ في دبي 2023، ما أثار استياء في أوساط المنظمات غير الحكومية.
لكن سيمن ستيل الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة حول تغير المناخ أكد من أن وفود مجموعة العشرين لها نظامها الخاص، بينما في باكو على الدول أن تتوقف عن التشبث بمواقفها وتتجه سريعا نحو أرضية مشتركة للتفاهم، وجاء في بيان مجموعة العشرين (نقر بالحاجة إلى تعزيز الاستثمارات وزيادتها من كل المصادر والقنوات المالية لسد الثغرة التمويلية فيما يخص الانتقال بمجال الطاقة في العالم، لا سيما في البلدان النامية)، ما جعل رئيس فريق المفاوضات في باكو الذي يمثل أغلبية البلدان النامية المعروفة باسم مجموعة السبع والسبعين + الصين، الدبلوماسي الأوغندي أدونيا أيبياري بإقرار مجموعة العشرين بالحاجة إلى زيادة التمويل في مجال المناخ لرفعه من مليارات إلى آلاف المليارات المتأتية من المصادر كافة.
فيما أشار أمين أوبك الغيص في قمة باكو كوب 29 إلى أن حكومات العالم التي حددت سقفا لارتفاع درجات حرارة الكوكب خلال قمة باريس 2015 لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستوى ما قبل الثورة الصناعية، يمكنها تحقيق أهدافها المناخية دون التحول بعيدا عن النفط، وذكر أن اتفاقية باريس ركزت على خفض الانبعاثات وليس على اختيار مصادر الطاقة، وأوبك تمكنت من التقاط الكربون يمكن أن تعالج تداعيات تغير المناخ الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري.
وتوصلت قمة كوب 29 في باكو في أذربيجان إلى تجارة انبعاثات الكربون كأولوية باعتباره عنصرا أوليا من عناصر السوق العالمية، وستتمكن الدول والشركات من تداول الأرصدة التي من المفترض أن تمثل طنا واحدا من ثاني أكسيد الكربون الذي تم توفيره أو إزالته من الغلاف الجوي، وذلك بموجب آليات تخضع لرقابة فضفاضة من قبل الأمم المتحدة ومصممة لتجنب الحساب المزدوج لخفض الانبعاثات، وهي بمثابة بوليصة تأمين للإنسانية رغم المفاوضات الشاقة.
وقد رحب وزير الطاقة البريطاني بالاتفاق، بينما اعتبرت وزيرة الانتقال البيئي الفرنسية أن الاتفاق مخيب للآمال، واعتبرت ممثلة الوفد الهندي أن الاتفاق ليس أكثر من مجرد خداع بصري، أما ممثل السعودية نيابة عن المجموعة العربية بقوله أننا بحاجة إلى مزيد من التأكيد على المبادئ الأساسية في جهود التخفيف، كجزء من عملنا في اطار اتفاقية باريس واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ويقصد بالمبادئ الأساسية المساواة والمسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة، فضلا عن الإصرار عن تقود الدول النامية هذه الجهود على الصعيد العالمي، ولابد من الاعتراف بالمسارات المختلفة التي تعكس الظروف والقدرات المختلفة لكل دولة فضلا عن أهمية احترام سيادة كل دولة.
في وقت تزداد فيه فجوة تمويل المناخ في الدول النامية مع زيادة المخاطر البيئية وتخلي الدول الكبرى عن مسؤوليتها في هذا الشأن، في هذا الشأن تسعى شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية السعودية إلى لعب دور في سد فجوة تمويل المناخ، من خلال خطط وبرامج تقلل من حجم الانبعاثات من ناحية، وتعوض عن أضرارها من ناحية أخرى، فإذا تمكنت أسواق الكربون الطوعية من أن تصبح سوقا بقيمة 100 مليار دولار بحلول 2030 تكون قد لعبت دورا في سد فجوة تمويل المناخ.
حيث ترى السعودية خلال مشاركتها في قمة كوب 29 أن حجم التمويل المطلوب للأسواق الناشئة والبلدان النامية لسد فجوة تمويل المناخ ولتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية الذي يقدر بنحو 2.4 تريليون دولار من الاستثمارات في العمل المناخي سنويا بحلول 2030، في حين تم تخصيص 18 مليار دولار فقط منهم، أقل من 2 في المائة من التمويل المطلوب لدول الجنوب العالمي في 2022، لذا لن تتحقق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية إذا لم تسد هذه الفجوة.
أطلقت السعودية الشركة في أول أيام قمة كوب 27 انضمت إليها 22 شركة سعودية ودولية وباعت بالمزاد أكثر من 2.5 مليون طن من أرصدة الكربون عالية الجودة، والبائعون في السوق هم مطورو المشاريع الخضراء، ويحصل الربح من خلال إصدار شهادات الكربون، بينما يمثل المشتري الشركات التي لديها التزامات مناخية لتقليل الانبعاثات.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقا بجامعة أم القرى