عبده الأسمري
ما بين الأدب المقارن والنبل المقترن ركض بأنفاس «أصيلة» في ميدان المعرفة رافعا راية «الطموح» ومترافعا عن غاية «الكفاح».
نال من نسب «الأشراف» شرف المكانة، وحصد من معين «الإنصاف» معنى التمكين، فكان ابن الأصول الذي زرع «القيم» في عمق الفصول حتى اكتمل «الحصاد» بدرا في مواسم «المعارف» وتكامل «السداد» جبرا في مراسم «المشارف».
حول «الصبر» إلى مادة خام رسم بها «خرائط» التفوق وصنع منها «وسائط» التميز، حتى ظفر ببشائر «التمكن» القادمة من بصائر «التبصر» والمتجهة إلى مصائر»الرضا».
قطع «مفازات» التحدي بروح «المثابرة» حتى أضاء مسارب «البدايات» بمشاعل الدوافع وتخطى خطوط «النهايات» بقناديل المنافع، ورتب مواعيد «الاعتزاز» على أسوار الواقع وأوفى بوعود «الإنجاز» في واقع «الإنتاج».
إنه مدير جامعة أم القرى الأسبق الأستاذ الدكتور عادل بن محمد الوزان- رحمه الله- أحد أبرز وجوه رجال التعليم العالي والشورى والمتخصصين في الأدب المقارن.
بوجه مكاوي الملامح زاهي التقاسيم مسكون بالألفة والطيبة ينتهل من أصله بهاء المحيا، ومن نشأته زهاء الحضور، وعينان واسعتان تسطعان بنظرات تملؤها لمحات التروي والإنصات وأناقة تعتمر «البياض» التي تتكامل مع نقاء سريرته وصفاء داخله وصوت جهوري خليط من لهجة حجازية عميقة بحكم النشأة واحتكام التنشئة، ولغة إنجليزية بواقع التخصص ووقع الاختصاص قوامها مفردات «التراجم» ومقامها انفرادات «القواعد» مع عبارات عربية فصيحة واعتبارات مهنية حصيفة، قضى الوزان من عمره «عقودا» وهو يملأ قاعات «الجامعات» باحترافية التدريس، ويبهج منصات «القطاعات» بحرفية التأسيس، ويملأ أركان الشورى بفريد «التوصيات»، ويبهج طاولات «القرار» بأهداف «المنجزات» أكاديميا وقياديا وخبيرا ومختصا، ترك اسمه في متون «الذاكرة» المشرقة بالاستذكار والاعتبار.
في حي «القرارة» العتيق قرب شارع «المدعي» الشهير بمكة المكرمة مهبط «الوحي» وأرض «النور» ولد عام 1379 وتفتحت عيناه على «إرث» أسرته المنحدرة من سلالة «الأشراف» المكيين أصحاب النسب العريق والحسب العميق، حيث تشكلت في ذهنه نصائح والده المكي الوجيه، وترسخت في عقله دعوات والدته العطوفة الحنونة فتربى بين «قطبين» من المعروف والإحسان درباه على «ماهية» العرفان والحسنى سرا وعلانية.
بدأ خطواته الأولى ممهورا بتربية دينية عميقة قضاها في أحضان الطهر حيث تعتقت نفسه بأنفاس «السكينة» في جنبات الحطيم والملتزم، وتشربت روحه نفائس «الروحانية» بين المسعى وصحن الطواف وتعطرت أسماعه بالقادم من مكبرات «الحرم المكي.
امتزجت طفولته مع ذكريات مكية عنوانها التراث وتفاصيلها الموروث، فكبر وفي قلبه الأناشيد المكية الموشحة بالبراءة، وفي ذهنه الأهازيج الحجازية المسجوعة بالعفوية.
ركض الوزان طفلا مع أقرانه بين أحياء الشامية وسويقة وشعب عامر وزقاق الصيرفة، وأسواق القماشة والليل مستنشقا روائح «البخور» بين منازل الطيبين من آل زيد وذوي إدريس والعبادلة ومتشربا جمال «المشاهد» في بياض المعتمرين وسكنى الزائرين.
ظل يسجل في ذاكرته «الغضة» مواقف النبلاء في مركاز «المكيين» ويقتنص من وجوه «البسطاء» ابتسامات «اليقين» ومن سحن «العابرين» ومضات «الحنين» وظل يقرأ في مساءات «أم القرى» أمنيات الغد التي كتبها بحبر «أخضر» في كشكوله «الملون» المكتظ بخربشات الصغار.
تلقى تعليمه العام بمكة المكرمة، حيث درس المرحلة الابتدائية والمتوسطة بمدرسة الرحمانية، ثم أتم دراسته في ثانوية الملك عبدالعزيز.
ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة الملك عبدالعزيز، وحصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية وآدابها، ثم حصل على دبلوم اللغة الإنجليزية بجامعة أدنبرة وأكمل دراساته العليا حتى حصل على دكتوراه فلسفة أدب مقارن (إنجليزي- عربي- فرنسي) من جامعة أدنبرة ثم واصل حتى نال زمالة البحث العلمي.
انتظم في المرحلة العملية حيث تعين على وظيفة «معلم» لمادة اللغة الإنجليزية في مدرسة الملك فيصل النموذجية المتوسطة بمكة المكرمة، والتحق بعدة مهام مختلفة وشغل منصب عميد الدراسات الجامعية للطالبات، ومدير مركز بحوث العلوم الاجتماعية في معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى، وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة والآثار (وزارة السياحة حاليا)، وتم تعيينه وكيلا لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ومستشارا لوزيرها، وعين عضوا بمجلس الشورى في الفترة 1426 - 1428هـ ثم عين مديرا لجامعة أم القرى من 1428 - 1430هـ.
قام الوزان بأعمال وجهود مباركة في جامعة أم القرى، وقد شهدت الجامعة في عهده الكثير من التطورات في المباني والمرافق وعلى مستوى «الكفاءات» الإدارية والأكاديمية والإمكانات التقنية والفنية.
حصل الوزان على عضوية عدد من الجمعيات والاتحادات الأدبية والعلمية، بينها الجمعية العالمية للأدب المقارن بالولايات المتحدة، والجمعية البريطانية للأدب المقارن، والهيئة الاستشارية الدولية بمعهد مارك فيلد للدراسات الإسلامية في جامعة بورنموث، والاتحاد العالمي للأدب واللغات بالولايات المتحدة.
وعين أستاذا زائرا للأدب المقارن في جامعة ميشيغان بأمريكا وعدد من جامعات وكليات المملكة المغربية، وقد أشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات السعودية، وشارك في عدد من المؤتمرات والندوات داخل السعودية وخارجها.
نال الوزان جائزة الملك فيصل لعام 1433هـ في فرع الدراسات الإسلامية نظير ما قدمه من جهود متميزة في كتابه «موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام وسماتها في المملكة العربية السعودية»، الذي جاء في ثمانية مجلدات، تناول فيها موضوعات مهمة وتفصيلية مثل حقوق المسلم وغير المسلم، والعمل، وحقوق المرأة والطفل، ومكانة الشريعة الإسلامية وأسبقيتها في مجال حقوق الإنسان، وقد أصدر الوزان عدة كتب باللغتين العربية والإنجليزية، تناول فيها موضوعات مختلفة في الأدب المقارن، وأخرى في الدراسات المتعلقة بحقوق الإنسان.
تواجد الوزان بشكل فاعل ومؤثر في المنصات المعرفية والثقافية داخل السعودية وخارجها، وحظي باهتمام وتكريم من جهات مختلفة، وظل حريصا على المشاركة الفاعلة في المجتمع «المكي» في الندوات والمحاضرات والأمسيات المختلفة.
انتقل الوزان إلى رحمة الله يوم الجمعة 5 جمادي الآخرة من العام 1446 وصلي عليه في المسجد الحرام، وووري جثمانه ثرى مقابر المعلاة بمكة المكرمة. وقد نعته وسائل الإعلام ووسائط التواصل المختلفة، وتم استعراض ما قدمه من سيرة منفردة في العمل الحكومي والأكاديمي والقيادي، وعزى فيه رفقاء الدرب وزملاء المهنة وأصدقاء المرحلة.
عدنان الوزان.. القيادي المميز ووجه الأدب المقارن ووجيه التعليم العالي، صاحب السيرة الزاخرة بالفضائل والمسيرة الفاخرة بالمكارم والإنجازات الموثقة بالمآثر.