د. محمد بن أحمد غروي
مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بدأ التخوف الآسيوي من سياسة الولايات المتحدة الجديدة التي ستتسم من الناحية الاقتصادية بالقيود على الواردات الصينية، ورفع التعريفات الجمركية على العديد من الواردات، مع إمكانية بدء جولة جديدة من سلسلة الحرب التجارية بين واشنطن وبكين تلوح في الأفق مع تصريحات ترامب قبل تنصيبه رسميًا يناير المقبل.
من المتوقع أن الحرب التجارية والإجراءات الحمائية التي ستتخذها واشنطن من خلال رفع التعريفات الجمركية قد تسبب خطرًا على اقتصاد جنوب شرق آسيا، خاصة وأن المنطقة ارتفعت صادراتها إلى الولايات المتحدة إلى 143 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2024 - متجاوزة الشحنات إلى الصين - فمن المرجح أن تخضع منطقة جنوب شرق آسيا لذات النهج الترامبي ضد بكين. العديد من مراكز الدراسات في آسيان ترى أن الحرب التجارية قد تُكسب الرابطة مناخًا يعزز من اقتصاداتها، وهذا ما أكده وزير التجارة التايلندي بيتشاي بأن الحرب الاقتصادية بين النسر والتنين التي ستبدأ مطلع العام القادم بأنها فرصة لبلاده، مشيرًا إلى أن فوز ترامب سيكون مفيدًا لتايلند، فالتضييق على الصين يعني مزيدًا من الاستثمارات في الأرخبيل.
تدعم بعض الدراسات البيانات المستشرفة بالمكاسب الاقتصادية إذ إنها تفتح بابًا لآسيان يمكنها من دعم اقتصادها، فتقرير سنغافورة الاقتصادي النصف سنوي لهذا العام أكد أن دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) استفادت بشكل كبير من تحويل التجارة الإلكترونية بين الولايات المتحدة والصين من خلال زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي أدت إلى بناء قدراتها الإنتاجية والتصديرية. وأشارت إلى أن الصين تصدر المزيد من الإلكترونيات إلى دول رابطة جنوب شرق آسيا كفيتنام وتايلند وماليزيا، فضلاً عن الهند؛ كما سجلت الواردات الأمريكية ارتفاعاً مماثلاً من دول رابطة جنوب شرق آسيا والهند.
فحصة الآسيان والهند في صادرات الإلكترونيات الوسيطة الصينية نمت في السنوات الأخيرة، وبالتالي تم اكتساب حصص سوقية في واردات الإلكترونيات بنسخها النهائية للولايات المتحدة.
يرى صندوق النقد الدولي أيضًا أن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) الطرف الرابح اقتصاديًا من التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين الصين والولايات المتحدة. ووفقًا لوكالة الأمم المتحدة، استفادت المنطقة منذ فترة طويلة من عقود من العولمة، حيث بنت روابط تجارية قوية مع الصين والولايات المتحدة، أكبر اقتصادين في العالم.
وأشار التقرير الدولي إلى مستقبل منطقة آسيا والمحيط الهادئ لهذا العام، إذ أظهرت البيانات أنه منذ عام 2018، زادت اقتصادات رابطة دول جنوب شرق آسيا من حصتها السوقية من الواردات الصينية والأمريكية، حيث استوعبت القوى العظمى حصة أكبر من القيمة المضافة للمنطقة.
بلغة الأرقام، ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في دول رابطة جنوب شرق آسيا خلال السنوات الخمس منذ بدء الحرب التجارية بنسبة 33 % مقارنة بالفترة الخمسية السابقة. ولو رجعنا لفترة حكم ترامب السابقة، نرى أن فيتنام الرابح الأكبر من سياسات ترامب التجارية، إذ حققت هانوي استفادة كبرى من سياسة واشنطن على مر السنوات الأربع لإدارة ترامب، حيث تسببت سياسة ترامب في رفع التعريفات الجمركية على البضائع الصينية في إفادة البضائع الفيتنامية، فارتفعت نسبة المنتجات التجارية الصادرة من فيتنام إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 36.4 %. ستواجه منطقة شرق آسيا اختبارًا حاسمًا في السنوات المقبلة، فمع التقدم الذي أحرزته الصين في الصناعات الناشئة كالسيارات الكهربائية وتكنولوجيا الطاقة النظيفة في أعقاب الحرب التجارية الأولى فإنه يمثل تحديًا جديدًا لرابطة دول جنوب شرق آسيا. فمزايا التكلفة المنخفضة التي تتمتع بها الصين من الصعب مجاراتها خصوصًا مع هيمنتها على تلك القطاعات التي تجعل التنويع الهادف لسلاسل التوريد أكثر صعوبة، مما يجبر رابطة دول جنوب شرق آسيا على موازنة المخاوف الاستراتيجية مع أولويات التنمية الصناعية.
ومن الواضح أن دول الرابطة ستعمل على موازنة العلاقات اقتصاديًا بين قطبي الاقتصاد العالمي، والاستفادة من سياسات أصحاب الأعمال بتنويع مصادر الإمداد بعيدًا عن الصين، إلى جانب محاولة تجنب فرض تعريفات جمركية أعلى على سلعها المصدرة للولايات المتحدة حتى تضمن أن تظل منتجاتها ذات جاذبية للأمريكيين بما يميزها من أسعارها التنافسية.