مها محمد الشريف
بدأ السوريون عهداً جديداً بعد ستينَ عاماً من حكم حافظ الأسد وابنه بشار، وأُغلقت أبواب حزب البعث وانتهت العلاقة مع إيران وروسيا، ليبدأ عهد جديد للشعب السوري الذي عانى لسنوات من ويلات القتل والقمع والتعذيب والتهجير.
الأحداث التي وقعت خلال الأيام الأخيرة في سوريا بداية لتاريخ جديد للشعب الذي عانى ويلات الحرب الأهلية، فقد حُكم على الشعب من صاحب السيادة الظرف الاستثنائي الذي عاشته البلاد، وتم اختيار الأمر قسراً عن طريق القانون أو العهد أو العقد الاجتماعي وسلب حقوق الناس وحريتها.
لقد قتل الرئيس الهارب مئات الآلاف، وهجّر 14 مليون شخص، واعتقل مئات الآلاف من شعبه، وسرق هو وعائلته مليارات الدولارات، واستدعى الروسي والإيراني وحزب الله اللبناني وسلمهم قواعد جوية وبحرية وبرية، دمر البلد ونحر أهلها ونهب مواردها.
النظام الاستبدادي رغم ما له من قوة وسيطرة يعاني من هم وهو يحاول أن ينفرد بهذه السلطة وإعطاء العلاقات غير السياسية صفة السياسة؛ لذا حشد قوات عسكرية إيرانية وروسية لحمايته ومشاركته في العلاقات وجميع المجالات، وكتب في سجلات عصره البربري كيف يجب أن يكون انتهاك حقوق الإنسان في سجون فوق الأرض وتحت الأرض، تنتهك كرامة وأرواح مئات الآلاف من المساجين من النساء والأطفال والرجال، ثم قدَّر الله لهذا الشعب أن ينتصر بعد هذا العنف المنظم والجرائم الفظيعة حتى رحل طاغية الشام لاجئاً إلى موسكو، بعدما ترك شعباً منهكاً مشرداً دمر بلادهم واجتاح خصوصياتهم وقتل آمالهم وسعادتهم.
في هذه الحالة أمام سوريا بناء مسار سياسي انتقالي ناجح وفعال قادر على استيعاب الجميع، وحل الحكومة التي عينها بشار في ممارسة عملها، لحين اختيار حكومة انتقالية جديدة لئلا يخلق تبايناً في المسارات، فكل ما يلزم أن تستخدم السياسة من أجل غاياتها الخاصة واجتثاث بقايا البعث، وتفكيك أركانه، ولكي لا يبقى على أرض الواقع نوع من الصراع يعكس عصياناً يمكن أن يؤدي إلى إلحاق الضرر بوحدة الهيكل السياسي الجديد.
فليس السلام فقط ما يقدم للأجيال لتكون سعيدة، وإنما هناك الاصطفاء الطبيعي الذي يقود إلى النموذج البشري الأكثر تطوراً، ففي جميع الأزمنة تلك كانت مهمة السياسة تكمن في تنظيم حياة المدنية بالطريقة الأكثر انسجاماً وتآلفاً في ظل اقتصاد مزدهر وهو يعد غاية الغاية في الحياة، ليستند الوفاق على وحدة الشعور التي تتجلى في مفهوم الوطن.
مهما تكن هذه الاعتبارات مهمة، فهي قد تفيد في فهم المعنى السياسي لها، وقبل الأحداث في سوريا كان العالم يركز على نتائج حرب إسرائيل و»حزب الله» وما يحدث في لبنان والإجراءات الممكنة والمواجهة المستمرة بين تل أبيب وحركة «حماس» في غزة، والجهود الدولية التي تعمل من أجل إيقاف المواجهة بين هذه الأطراف ووقف إطلاق النار الذي تم القبول به في لبنان، خاصة في هذا التوقيت المهم عند الغرب، وهي فترة الأعياد قبل دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب وفريقه البيت الأبيض خلال الـ20 من يناير (كانون الثاني) المقبل، ولكن ما أدهش العالم هو تحرير سوريا من نظام مستبد فقد كانت حرباً على الخوف والعنف وإجبار بشار على الخضوع للرحيل.