د. أحمد محمد القزعل
ثقافة العيب هي مجموعة من القيم والمعايير الاجتماعية التي تُحدد ما يُعتبر سلوكاً مقبولاً أو مرفوضاً في المجتمع بناءً على فكرة أن بعض التصرفات تُعد مخجلة أو غير لائقة، وتستخدم هذه الثقافة لتوجيه سلوك الأفراد عبر إظهار الاستياء أو الإحراج من تصرفات معينة.
أسس ومقومات ثقافة العيب
من أسس ثقافة العيب: الخوف من الفضيحة حيث يُعتبر الخوف من الفضيحة أو التشهير أحد الدوافع الأساسية لتجنب التصرفات التي تُعتبر عيباً، كما يُعد الحفاظ على السمعة والصورة الاجتماعية دافعاً رئيسياً للامتثال لثقافة العيب، هذا وتهدف ثقافة العيب إلى تحقيق التماسك الاجتماعي عبر تقليل التصرفات التي قد تؤدي إلى تفكك العلاقات الاجتماعية، ومن عناصر ثقافة العيب:
القيم الاجتماعية كالكرامة والاحترام والطاعة والرموز الثقافية التي تُعبر عن معايير العيب مثل: اللباس واللغة والتصرفات العامة والتوقعات الاجتماعية التي تحددها الأعراف والتي قد تختلف بين مختلف الثقافات.
ومن مقومات ثقافة العيب التحكم الاجتماعي الذي يعمل كآلية للسيطرة الاجتماعية من خلال تحديد السلوكيات المقبولة وغير المقبولة، كما تعتمد هذه الثقافة على ما يتوارثه الأجيال من عادات وتقاليد..
كما ويؤثر الرأي العام والمجتمع المحيط بشكل كبير في تشكيل هذه الثقافة، وتلعب الأسرة والمدرسة دوراً كبيراً في نقل قيم ثقافة العيب إلى الأفراد منذ الصغر.
أهمية ثقافة العيب والفرق بينها وبين ثقافة الترغيب والترهيب
لثقافة العيب أهمية كبيرة حيث تُساهم في ضبط السلوكيات الفردية بما يتماشى مع الأعراف والتقاليد، وتساعد في المحافظة على النظام الاجتماعي والاستقرار الاجتماعي من خلال منع التصرفات التي قد تُثير النزاعات، كما تعمل على ترسيخ القيم والمفاهيم التي تُشكل الهوية الثقافية للمجتمع.
ولا بد من توضيح الفرق بين ثقافة العيب وثقافة الترغيب والترهيب، حيث تعتمد ثقافة العيب على الخوف من النقد الاجتماعي أو العار. أما ثقافة الترغيب والترهيب تعتمد على تقديم الحوافز أو التهديدات لتحقيق التوجيه المطلوب وهي أكثر شمولاً وتتحكم في السلوك من خلال وعود المكافأة أو الخوف من العقوبة.
نظريات ثقافة العيب
البعض يرى أن ثقافة العيب ثقافة مُعيقة بدأت من العصور السابقة، وتُعدُّ من أكثر الظواهر السلبية المُنتشرة في مجتمعاتنا والسائدة بعمق إلى وقتنا الحالي وما هي إلا أفكار خاطئة وعادات قديمة، يتم نقلها من الأجداد إلى الآباء إلى الأبناء، فنجد أن الأب قد ينهى بناته عن الضحك بحجة العيب ولا ينهاهن عند تبرجهن ولباسهن البعيد عن الدين، وإذا ما ارتكَب الطّفل خطأ مُعيناً فإننا ننهاه ونقوم بتقريعه بحجة العيب، لكن بتصرفنا هذا نكون قد ساهمنا في إضعاف شخصية طفلنا، والأصل إذا ما ارتَكب الطفل خطأ ما أن نقوم بتوعيته وتوجيهِه ولا نقول له فقط: عيب دون توجيه وتقويم، لكن علينا أن نُرشده ونبين له الصواب، فيترسَّخ في ذهنِه التصرف الصحيح ويقتنع به، ثم يسعى دائماً إلى فعل ما أرشدناه إليه.
والبعض يرى أن مجتمعاتنا نشأت على كلمات في سياق العيب والحرام مما أثمر عن نشوء جيل لا يتجرأ حتى على البوح بكلمة تمت بصلة للجسد وتركيباته الوظيفية والعضوية، وبعض الآباء والأمهات يشعرون بالحرج بمجرد سؤال أطفالهم لهم فجأة، فيفشلون في الإجابة، ثم بعدها نرى المراهق منطويا خائفا يتخبط في أسئلته اللامتناهية مما يدفعه إلى الانطواء وربما اللجوء إلى أساليب غير أخلاقية قد تشبع فضوله نوعا ما، ومما يدفع لتشكل شخصية غير سوية وربما منعزلة عن المجتمع.
ونحن نرى أنه يمكن التوفيق بين النظريات السابقة مع التأكيد على أن ثقافة المراقبة الإلهية هي الأصل إذا ما تمت المقارنة بينها وبين مفهوم ثقافة العيب، ويمكننا القول أن ثقافة العيب وثقافة المراقبة الإلهية هما جزء من منظومة القيم التي تُوجه سلوك الأفراد في المجتمع، ورغم اختلافهما من حيث المصدر والهدف، إلا أنهما يسهمان في تشكيل السلوك الفردي والجماعي، ويجب التعامل معهما بوعي لضمان تحقيق التوازن بين الامتثال الاجتماعي والحفاظ على حرية الفرد ومسؤوليته الذاتية. وعن موقف الإسلام من ثقافة العيب فإن الإسلام يعترف بوجود الأعراف الاجتماعية ويحترمها طالما كانت متوافقة مع المبادئ الإسلامية والقيم الأخلاقية، فالكثير من عناصر ثقافة العيب تتفق مع تعاليم الإسلام التي تحث على الالتزام بالأخلاق الحميدة وتجنب السلوكيات المنكرة، ومع ذلك فإن الإسلام يرفض أي تقليد أو عرف اجتماعي يتعارض مع الشريعة الإسلامية أو يؤدي إلى ظلم أو تمييز غير مبرر، ففي الإسلام يُعتبر احترام مشاعر الآخرين وتجنب ما يُسيء إليهم من القيم الإسلامية الأساسية، وهذا يتوافق مع مفهوم العيب، كما أن الإسلام يرفض ثقافة العيب إذا كانت تؤدي إلى قمع حرية التعبير أو تكبل الناس بتقاليد وعادات لا أساس لها في الشريعة وبالتالي، فموقف الإسلام من ثقافة العيب هو موقف متوازن يدعم الأعراف التي تحافظ على الأخلاق والآداب العامة لكنه يرفض تلك التي تفرض قيوداً غير مبررة أو تتعارض مع المبادئ الإسلامية.
كما أن عناصر ومقومات ثقافة المراقبة الإلهية تقوم على ثقافة المراقبة الإلهية هي جزء أساسي من العقيدة الإسلامية، حيث يركز الإسلام بشكل كبير على مبدأ «الإحسان»، وهو عبادة الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هذه الثقافة تربي في النفس شعوراً دائماً بأن الله يراقب كل تصرفات الإنسان وأقواله مما يدفع المسلم للالتزام بالأخلاق الحميدة والابتعاد عن المعاصي والذنوب. ومن أهم عناصر المراقبة الإلهية ومقوماتها: الإيمان العميق بأن الله هو الرقيب والحسيب على كل أعمال الإنسان ومعرفة الفرد بأحكام الدين وأهمية الالتزام بها ونشأة الفرد على فهم قيم الدين وتطبيقها في حياته اليومية والشعور الداخلي من خلال الضمير الذي يُوجه الفرد لفعل الخير وتجنب الشر.
فالفرق بين ثقافة العيب وبين ثقافة المراقبة الإلهية هو مصدر الرقابة ففي ثقافة العيب المصدر هو الرقابة الاجتماعية ويعتمد الفرد على الآخرين لمراقبة سلوكه، بينما في ثقافة المراقبة الإلهية المصدر هو الرقابة الذاتية من خلال الإيمان بأن الله هو المراقب، كذلك فإن ثقافة المراقبة الإلهية أكثر ديمومة لأنها تعتمد على الضمير الشخصي، بينما ثقافة العيب قد تكون مؤقتة وتعتمد على حضور أو غياب المجتمع، وبالتالي تهدف ثقافة المراقبة الإلهية إلى تحقيق رضا الله والالتزام بأوامره، في حين تسعى ثقافة العيب للحفاظ على الصورة الاجتماعية والامتثال للأعراف.
ومن نافلة القول: فإن الثقافة الإسلامية تشجع على السلوك الحسن من خلال الوعد بالثواب من الله والتحذير من العقاب في الآخرة إذا انحرف الإنسان عن الطريق الصحيح، وإن ثقافة المراقبة الإلهية تعد أساساً لتكوين الشخصية المسلمة المسؤولة والملتزمة بتعاليم الدين في جميع جوانب حياة الإنسان.