أجرى الحوار - عوض مانع القحطاني/ تصوير - تهامي عبدالرحيم:
37 عاماً من العطاء في المجال الأمني.. تنقل بين العديد من المدن لخدمة دينه ووطنه.. نال العديد من الأوسمة وحقق لنفسه مكانة عالية ومرموقة وسمعة طيبة.. لم ييأس بعد وفاة أسرته كافة إثر مرض الجدري، بل كافح وتعلم وعمل دهاناً ومبلطاً وبنّاء.. صارع الحياة حتى نال ما يستحقه بجهده ... حوارنا مع اللواء محمد بن عايش المطيري مدير شرطة منطقة الرياض سابقاً.. وقد حدثنا عن رحلته مع العسكرية وانتقاله من البادية إلى الحاضرة.. فماذا قال لنا.. نص الحوار:
* أين كانت النشأة؟
- ولادتي كانت في مهد الذهب عام 1363هـ ووثيقة الموطن في الأرطاوية، حيث كنا نعيش في بادية اعتمادنا على تربية الماشية.. قرر والدي ووالدتي بعد ما كان عمري 3 سنوات الرغبة في الرحيل من البادية إلى الرياض لطلب العيش، كنت أنا أكبر الأولاد وعددنا 6 أشخاص 3 إخوان و3 بنات ولي أخت أكبر مني متزوجة.
* كيف بدأت التعليم؟
- بدأت التعليم عندما وصلنا إلى الرياض، حيث دخلت مدرسة الأيتام الذي أنشأها الأمير منصور بن عبدالعزيز عندما كان وزيراً للدفاع عام 1367هـ وتحولت هذه المدارس من دار الأيتام إلى مدارس العزيزية درست حتى وصلت رابع ابتدائي.
* ما هي قصة تجنيدكم إجبارياً؟
- عندما كنا ندرس في مدارس العزيزية في مدينة الرياض كانت وزارة الدفاع تعتزم تجنيد شباب صغار السن يتم تدريبهم وتأهيلهم.. فقد جاء ضابط من الحرس الملكي واختارنا وتم أخذنا إلى محافظة الخرج، وكان عددنا 1200 طالب، وكنت أنا وزوج أختي من ضمن الطلاب الذين تم اختيارهم، وتم الكشف علينا وتمت الموافقة على صرف 150 ريالاً مكافأة شهرية لكل طالب، وكان هذا المبلغ مشجعاً وشيئاً كبيراً في ذلك الوقت.
تم توزيعنا وإسكاننا في (ثكنة عسكرية).. وتم تقسيمنا على ثلاثة أفواج، ولم يسمح لنا بالخروج طيلة تدريبنا في هذا المعسكر.. وكنت أنا وأحد الزملاء المسؤولين عن الطلبة بحكم أننا متعلمون، ألبسونا وشاحاً عليه ثلاث شرطات.
* هربت وكانت المفاجأة كارثة لي
بعد مدة طويلة في هذا المعسكر وكنت أنا وزوج أختي من المتميزين قررت أن أهرب من المعسكر للذهاب إلى الرياض للسلام على أهلي وإعطائهم ما يساعدهم على مصاريف الحياة، خاصة أنني كنت أحلم بهم ليلاً في المنام، وبالفعل تسللت أنا وأحد زملائي وذهبنا للرياض، وكانت المفاجأة صادمة لي عندما وصلت إلى المنزل الذي يسكن في أهلي، فوجئت من أحد الجيران بأنهم توفوا جميعاً الوالد والوالدة والإخوان والأخوات بسبب مرض الجدري والحصبة، ولم يبقَ من الأسرة سوى أختي الكبيرة المتزوجة، بكيت حزناً على فراقهم.
* عملت مبلطاً وبناءً ومليساً
بعدما فقدت أهلي أخذت أبحث عن عمل يساعدني على هذه الحياة، عرض عليّ أحد المقاولين اللبنانيين أن أعمل معه عامل بناء بلك، وبالفعل نجحت وأخذ يدفع لي 4 ريالات، وبعدها علمني البلاط، ونجحت ورفع راتبي 5 ريالات، وبعد فترة علمني الشغل في مجال الدهان، ورفع راتبي إلى 6 ريالات وكانت تجربة ناجحة ولكنها كانت شاقة.. وبقيت مع هذا المقاول فترة من الوقت.
* أين اتجهت بعدما تركت العمل مع هذا المقاول؟
- ربما صدفة خيرٌ من ألف ميعاد.. طلب مني أحد الأقارب أن أراجع له معاملة في شرطة الرياض، وأعطاني الرقم فذهبت إلى الشرطة، وكان موقعها في حلة الأحرار، وتفاجأت بأعداد كبيرة من الشباب أمام الشرطة، وسألت أحدهم فقال صدر قرار ولي العهد الأمير سعود - رحمه الله - بإعطاء الشرطة 100 وظيفة، وجئنا لنسجل، وجاءنا - رحمه الله - محمد علي الثقفي وهو ضابط يرتدي الزي العسكري ويسأل المتقدمين ويختار منهم الذي يراه مناسباً لهذه الوظائف، وقال لي أنت متعلم؟.. قلت: نعم.. فأعطاني مسائل حسابية وحليتها، وقال اكتب لي معروضاً باسم مدير الشرطة فكتبت له.. وبالفعل نجحت لأن عندي خلفية عن العسكرية في الجيش، فقال تم تعيينك في الشرطة مساعداً لمدير الموارد البشرية، وتم إعطاؤنا دورات تدريبية أسوة بما يعطى للمجندين في الحرس الملكي، وكنا في هذه الدورة ما يقارب من 75 شخصاً، ولكن لصعوبة هذه الدورة تقلص العدد وهرب بعض الطلبة ولم يبقَ سوى (16) طالباً بعد دورة دامت 6 أشهر، وقد حضر تخرجنا ولي العهد في ذلك الوقت، الملك سعود - رحمه الله - عام 1372هـ.
* حدثنا كيف سار عملكم بعد تخرجكم ضباط شرطة في ذلك الوقت؟
- بعد تخرجي تم تعييني مساعد رئيس المنطقة الثانية في مقيبرة في ذلك الوقت. ثم انتقلت إلى المنطقة الثالثة في دخنة، وأخيراً إلى المنطقة الأولى في شارع الثميري، ثم انتقلت منها إلى المباحث الجنائية في قصر الحكم. وكنا مسؤولين عن الجرائم في ذلك الوقت. بعد ذلك تم نقلي إلى شرطة محافظة جدة. ثم صدر قرار بتعيين محمد الهلال مدير شرطة حائل.. وتم نقلي معه.. وكنت مساعداً له، وقد أسست إدارة المرور في حائل، وكنا أربعة ضباط في حائل، وفي منتصف 1383هـ تدرجت في العمل وعملت في المباحث العامة ونقلت مديراً لمباحث المدينة المنورة، ثم مديراً لمباحث المنطقة الشرقية، ثم تم نقلي للرياض مديراً للتخطيط والتنظيم في المباحث، وعندما تقرر إرسال بعثة إلى مصر صدر قرار بإرسالي إلى هذه الدورة، ومن هذه الدورة تم نقلي لقوات الأمن الخاصة في عام 1395هـ، وقد أنجزت عدداً من المشروعات في قوات الأمن الخاصة منها مشروعات الإسكان ومواقع قوات الأمن الخاصة بالتعاون مع زملائي، وتم طرح ثلاثة أسماء من قبل الفريق محمد بن هلال للأمير سلمان (خادم الحرمين الشريفين حالياً - حفظه الله -) عندما كان أميراً لمنطقة الرياض لتولي شرطة العاصمة الرياض، فوقع الاختيار عليّ، وتم تعييني مديراً لشرطة منطقة الرياض.
* ماذا قال لك الملك سلمان بعد ما تم تعيينكم مديراً للشرطة؟
- لقد ذهبت إلى قصره وقابلته، وقال: أنا اخترتك مديراً للشرطة، وشرحت له - حفظه الله - بعض الأمور، وقال لك كل الصلاحية اتخذ ما تراه مناسباً، وباشرت العمل، وأنا على ملاك القوات الخاصة، فقد تمت ترقيتي إلى رتبة لواء تقديراً للجهود التي بذلناها في العديد من القضايا والمهمات.
* كيف تصف العمل في رحاب الملك سلمان عندما كان أميراً لمنطقة الرياض؟
- الملك سلمان - حفظه الله - تعلمنا منه ما لم نتعلمه في أكبر جامعة. تعلمنا الانضباط في العمل واتخاذ القرارات المناسبة، وإنهاء إجراءات أصحاب الحقوق ومتابعة أمور الموقوفين، وأنا أخذت الصدق والصراحة والوطنية المتناهية والمعاملة مع الآخرين منه، فهو - رعاه الله - الجامعة التي درست فيها.. لا يمكن أنسى العمل معه 11 عاماً وأنا أنهل منه كل شيء جميل.. أدعو الله أن يمد في حياته. لم أحس يوماً من الأيام بأي مشكلة طالما هو موجود أستشيره في كل شيء وتأتي التوجيهات الإنسانية والأبوية بحل كثير من القضايا.
* هل أحلت للتقاعد أم قدمت الاستقالة؟
- أنا طلبت التقاعد بعد خدمة 37 عاماً ولم أحل للتقاعد.
* من هو مثلك الأعلى في هذه الحياة؟
- مثلي الأعلى وأستاذي ومعلمي هو الملك سلمان وهو كل شيء بالنسبة لي ولن أنساه أبداً.
* من هو قدوتك في هذه الحياة؟
- قدوتي أيضاً في هذه الحياة هو هذا الشاب الذي يعمل بكل إخلاص ودون كلل وهو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وفي شجاعته وجرأته، وما نحن فيه اليوم من نقلة أذهلت العالم.
* ما هو القرار الصعب الذي اتخذته عندما كنت على رأس العمل وندمت عليه؟
- لا أذكر شيئاً من هذا.
* ما هو القرار الذي تمنيت أنك اتخذته قبل أن تتقاعد؟
- كان بودي أن يتحقق حلمي بإعادة ميزانية شرطة الرياض إليها مباشرة، لأن الشرطة في العواصم لها ميزانية مستقلة تتبع لها مباشرة، ولأن العاصمة دائماً عليها مهمات وتحتاج للدعم باستمرار، وهذا ما كنت أسعى إليه عندما كنت على رأس العمل، ولكني لم أنجح.
* ما هو القرار الذي تمنيت أنك عملت عليه قبل التقاعد؟
- هو إحياء يوم الشرطة، وطوّرنا وعملنا نشرات توعوية والتعريف بأهمية الشرطة، كنت أتمنى أن يطوّر ذلك ويستمر سنوياً ويرفع سمعة المملكة والأمن في المملكة.
* ما هو العمل الذي تعتز بأنك أنجزته؟
- أعتز وأفتخر أنني أنشأت مركز التدريب للشرطة، حيث كان لنا دورات نذهب للتدريب في مصر، ولكننا فكرنا في إنشاء هذه المدينة وفيها كل التخصصات، وتم تخرج 16 دورة من هذا المركز في كل دفعة أكثر من 600 فرد.
* كيف ترى وضع أقسام الشرطة في مدينة الرياض بعد هذه النقلة الحضارية والتوسع؟
- هذه نقلة نوعية وهناك تطور في إنشاء مراكز للشرطة مع توسع الأحياء وزيادة مهامها.
* هل تؤيد الخدمات الترفيهية داخل الأحياء؟
- نعم وبكل قوة وأنا أعتقد أنها سوف تحدث لأن القائمين على الترفيه في المملكة طموحون ومبدعون والأمر يحتاج إلى وقت، ونحن قطعنا شوطاً في مجال الترفيه في المملكة.
* كم كان عدد الشرطة في ذلك الوقت في مدينة الرياض؟
- كان عدد أقسام الشرطة في مدينة الرياض 5 أقسام فقط، وقد خرجت للتقاعد وعددها 18 ألفاً من ضباط وأفراد، وزادت أقسام الشرطة إلى ما يقارب من 12 قسماً في القسم الواحد ما يقارب 300 فرد و18 ضابطاً مؤمنين بجميع السيارات، ويوجد في القسم عدة أقسام منها المباحث الجنائية، الأحوال المدنية وجميع التخصصات.
* كيف تنظرون إلى رؤية المملكة العربية السعودية (2030) وأثرها على الأجيال القادمة وهي النقلة الحضارية في المجالات؟
- الرؤية التي تبناها سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء (2030) هي رؤية لم تكن مسبوقة، هي مفتاح المستقبل المشرق للمملكة والخطوة المهمة للتحول الثابت والقوي في كافة المجالات، والدليل على أهميتها تسابق بعض الدول العربية إلى تبني رؤية مماثلة لرؤية المملكة؛ لما كان لها من وضوح الأثر الإيجابي الفعلي في الحاضر وعلى الأجيال القادمة التي ستحقق - بمشيئة الله - نقلة حضارية في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والسياحية والرياضة والأمن الغذائي والتنمية العمرانية وبالتأكيد السياسية، ويعزز ذلك تجاوز معدل تحقيق أهداف الخطة المعدلات المرسومة لها، وأعلم يقيناً أن هذه الرؤية ليست كل شيء وإنما سيتبعها رؤى عديدة لترسخ نتائج هذه الرؤية وتعززها.
* سياسة المملكة الخارجية ينظر إليها دائماً باحترام، كيف تقيمون هذه السياسة مع العالم الخارجي؟
- سياسة المملكة الحالية بنيت على تحقيق المصالح الوطنية، وهي في الحقيقة خطوة مهمة وضعت المملكة في مصاف العالم الأول محققة وضعاً سياسياً واقتصادياً مميزاً وصوتاً مسموعاً ومؤثراً.
* المملكة في مجموعة العشرين مما يعني أن المملكة اليوم لديها اقتصاد قوي وبيئة آمنة مستقرة، ما رأيك حول واقع المملكة مقارنة بما تعيشه بعض الدول من اضطرابات؟
- لقد منَّ الله - عز وجل - على هذه البلاد بنعمة الأمن والاستقرار وقيادة حكيمة رشيدة تسعى دوماً إلى ترسيخ مكانتها إقليمياً وعالمياً، وما حققه سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء المبني على توجيهات مولاي خادم الحرمين الشريفين خلال السنوات الماضية يعد إنجازاً استثنائياً وهو أمر غير مستغرب فهذا الشبل من ذاك الأسد، ومن آثار ذلك أن المملكة قفزت إلى مكانة رفيعة في مجموعة العشرين، ومساهمتها الفاعلة في تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي والعالمي، مما شجع المستثمرين على ضخ رؤوس الأموال في مشاريع المملكة الجبارة آمنين على أموالهم وأنفسهم.
* لم تعد هناك حاجة للسياحة الخارجية بحكم توافر خيارات الترفيه المتنوعة في المملكة، كيف تقرأ مستقبل السياحة في المملكة؟
- السياحة في المملكة رغم حداثة عهدها إلا أنها حققت أرقاماً قياسية مقارنة بالدول التي تعتني بالسياحة منذ عقود، ومن أسباب نجاح السياحة بخلاف مستهدفات رؤية المملكة 2030 هو توافر الأمن والاستقرار وتحقيق المساواة في المعاملات، فقد وفرت المملكة في زمن قصير وسائل الترفيه والخدمات والمرافق ولا شك أن السياحة لا تقتصر على الترفيه، فقد تبنت المملكة مشروعاً سياحياً متنوعاً يرضي رغبات كافة أنواع السياح بتنوع ثقافاتهم مما لا يدع مجالاً للشك أن المملكة في طريقها لسحب البساط سياحياً من العديد من دول العالم السياحية.
* تم خصخصة الأندية الرياضية في المملكة للاستثمار وأصبحت سمعة المملكة علامة ومحط أنظار مشجعي الرياضة، كيف ترى هذه الخطوة؟
- لقد سطع اسم المملكة مباشرة بعد قرارها الاستثمار في المجال الرياضي مما وجه الأنظار إلى سياسة المملكة في هذا النشاط النابع من اهتمامها بتنمية هذا المجال، وقد تضاعفت أعداد المتابعين والمستثمرين والمهتمين في المجال الرياضي بكافة أنواعه، وقد حقق أهدافه بشكل واضح.
* كيف ترى التعاون والتنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي؟
- أرى أن التعاون والتنسيق بين دول مجلس التعاون قد تصاعدت وتيرته بعد فضل الله، إلى سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الذي يقود هذا التعاون ورفع من مستواه في كافة المجالات والذي أرى من وجهة نظري أنه سيصل - بمشيئة الله - ثم عزيمة سموه إلى الاتحاد الفعلي الكامل الذي سيجعله من أقوى الاتحادات إقليمياً وعالمياً.
* كيف وجدت التقاعد؟
- التقاعد من الوظيفة بعد خدمة طويلة لهذا البلد المعطاء أمضيت جلها تحت ظل مولاي خادم الحرمين الشريفين إبان إمارته لمنطقة الرياض قد تكون المكافأة الأجمل إذا ما قورنت بالإنجازات والتضحيات المقدمة، إلا أنني كنت ولا أزال مستعداً لتقديم المزيد من خلال عضويتي في مجلسي منطقة الرياض ومنطقة المدينة المنورة، وأصبحت الآن أقرب إلى أبنائي وأحفادي وأقاربي وزملائي.
* أين تكمن المتعة بعد التقاعد؟
- تكمن المتعة في رؤية مرؤوسي يتولون قيادة قطاعات أمنية مهمة وأفاخر بهم، وهو ما أعده أحد إنجازاتي في مجال عملي.
* ماذا أعطاك الوطن وأعطيته؟
- أعتقد أن هذا العدد من الجريدة لن يكفي للإجابة عن هذا السؤال كونه لا يزال يعطيني ولا زلت أعطيه، فالعطاء من الوطن هو حب والعطاء من المواطن هو حب وولاء وإخلاص، فالحمد الله دوماً وأبداً أنني كنت أحد أبناء هذا الوطن المعطاء وتحت ظل قيادة رشيدة حكيمة ومليك رحيم عادل وولي للعهد طموح وشجاع وذو نظرة حالمة وصادقة في قراءة المستقبل.