سلمان بن محمد العُمري
من صفات المنافقين ظهورهم بأكثر من وجه، بحسب المصالح والمطامع، ومن يتصفون بهذه الصفة السيئة المشينة ذمهم رسولنا الصادق الأمين بقوله: «ما ينبغي لذي الوجهين أن يكون أميناً». وتلك الآفة الخطيرة التي تفتقد فيها الأمانة، ويتلبس بها بعض ضعاف النفوس في عصر الماديات كانت من أسباب فساد كثير من العلاقات، وهجر الأحباب وقطيعة الأرحام، وهؤلاء كذابون منافقون يسعون بين الناس فيأتون كلا بوجه يختلف عما يأتون به للآخرين.
روى ابن أبي شيبة في المصنف بسند أن رجلاً سلَّم على النبيِّ ثلاثَ مرات، فلم يرُدَّ عليه، فقيل له: لِمَ؟ فقال: ((إنه ذو وجهين)).
من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، أن يكون للإنسان وجه واحد، ولسان واحد، وضمير واحد، بحيث يظهر على وجهه آثار ما في ضميره، وما يعتقده في قلبه، ويعبر عن ذلك بلسان صدق. والإنسان المتمسك بهذه الفطرة السليمة يكون -في الغالب- إنساناً نافعاً، ومؤثراً إيجابياً في مجتمعه، وأمته، وأصدقائه، فهو جدير بأن يستأمن، ويعتد بآرائه، فإذا رأى أمراً يعتقد أنه خطأ، أو مسيء، أو مضر، فإنه يبادر إلى مناصحة صاحب الخطأ، وبيان مكمن الخطأ، وفي أسوأ الأحوال، يسكت، ولا يطاوعه لسانه أن يزين الخطأ للصديق، ويسوغ الزلل للرفيق، لكن هناك فئة من الناس خالفوا تلك الفطرة السليمة، وانحرفوا بها عن وجهها الصحيح، وارتضوا أن يعيشوا بين الناس عيشة متلونة، لا يثبتون على رأي، ولا يستقيمون على منهج، فوجوههم تعبر بخلاف ما في ضمائرهم، وألسنتهم تنطق بغير ما يضمرون، تجده يلقى قوماً صالحين، فيريهم البشر والسرور، ويظهر لهم الرضا بما هم عليه بوجهه، ولسانه، وإذا لقي قوماً طالحين أراهم أنه موافق لهم، وأنه على منهجهم، تجد كل واحد منهم يعيش بوجهين مختلفين، ولسانين متباينين، وضمائر متعددة، فهذه الفئة من الناس من أضر الناس، وأخبثهم في المجتمع، فإنه يرى صديقه على خطأ عظيم، وخطر جسيم، ومع ذلك يزينه له، ويزخرفه، ويظهر له بلسانه ووجهه أنه موافق له، وأنه على صواب، فيورده المهالك، وينقل عن هؤلاء حديثاً على غير وجهه، وينقل عن أولئك إلى هؤلاء حديثاً على غير وجهه أيضاً، فيحدث الفتنة في المجتمع، ويوجد العداوة بين الأصدقاء والأقرباء، ويفرق بين الإخوة والأحبة.
يقول القرطبي: «إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس»، وقال النووي: «هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة».
كفانا الله وإياكم شر الأشرار وكيد الفجار.