د.محمد بن عبدالرحمن البشر
هناك أسئلة غريبة تطرح إما على سبيل المزاح والمداعبة، أو يطرحها النوكى والمغفلون، وهذا باب واسع كان موجوداً منذ آلاف السنين حتى يومنا هذا، وبعض تلك الأسئلة الغريبة قد تؤدي بصاحبها إلى الهلاك إذا لم يقدر قائلها المكان والزمان والمقام، فالمرء المتعود على الحديث مع رجل حليم، والمزاح معه، لا يستحسن به المزاح مع إنسان آخر لا يعرف مساحة سعة صدره، والتمادي في المزاح قد يؤدي إلى المقاطعة، أما ذوو المقامات المهمة الذين يسمحون بالمزاح معهم في مجالسهم الخاصة، فمن الصواب أن يلبس المرء ثوبا آخر في المجالس الرسمية، والتحدث باللباقة المناسبة، والالتزام بحرمة المقام وصاحبه.
وأذكر قصة حدثت لرجل، ذهب إلى عمرو بن هند ملك المناذرة يستجدي بلسانه، وكانوا جلوساً على رأس مرتفع تحيط به الانحدارات، فمن باب مداعبة الملك قال الرجل، لو أن رجلا قتل وأريق دمه فما ظنكم يصل إليه دمه، فالتفت إليه الملك عمرو بن هند، وقال: سنهريق دمك لنرى نحن الى أين يصل، فأمر بقتله، وجعل دمه ينساب في المنحدر، فمثل هذا الرجل لم يجمع المعلومات الكافية عن طبائع عمرو بن هند، الجبار الذي لا يقبل المزاح إلا بأمره، وفي الظروف التي تناسبه، وهو الملك الذي يجعل لنفسه في كل عام يوما لسعده، وآخر لجهله، فأول قادم في يوم السعد يغدق عليه، وأول قادم في يوم الجهل يقتله.
والشعبي القاضي والعالم المشهور، أراد ان يمازح خياطاً مر به، فقال له: عندنا حب مكسور نريدك ان تخيطه، فقال له الخياط في بداهة وفطنة، إن كان عندك خيوط من ريح، ولأنه الشعبي فقد ضحك، وعلم مقدار فطنة الخياط، ومن غرائب الأسئلة التي طرحت على الشعبي ووصلت إلينا أن أحدهم سأله عن لحم الشيطان هل هو حلال أو حرام، فأجابه: لقد استغنينا عنه بالكفاية، ومن تلك الأسئلة الغريبة أن أحدهم سأله عن أكل «الذبان» هل هو حلال أو حرام، فكان جوابه جميلاً حيث قال: إن اشتهيته فكله. كما سأله آخر عن اسم زوجة إبليس، فأجاب: ذلك نكاح ما شهدناه، وسأل أحدهم آخر عن دم البعوض أحلال، ومثل هذه القصص موجودة في كتب التراث، ولهشام المؤيد الخليفة الأموي الأندلسي قصص غريبة من هذا القبيل، كما تطرح عليه أسئلة مماثلة فيجيب إجابة المغفلين ومن تغفيله، أمر أن تقفل قرطبة حتى لا يطير حمامه خارج المدينة، وأهداه أحدهم حافر حمار، وقال هذا حافر حمار عزيز مصر فصدقه وأعطاه مالاً كثيراً، ومثل ذلك نقله لنا هشام الكلبي في كتاب المثالب.
هذه الإجابات المختصرة، والمقنعة أبلغ بكثير من الإسهاب في الجواب، والشرح والأخذ والرد، وفي نهاية الأمر، فهي أسئلة اما لا يمكن تحقيق إجابتها أو أنها غير مقبولة أصلاً، ومثل ذلك الكثير من الأسئلة الافتراضية، التي ربما احتمال حدوثها لا يتعدى نسبة بسيطة جداً، وأذكر أن أحدهم سألني وهو يتابع الأحداث الجارية في العالم، لو أن حرباً عالمية نووية حدثت، فكم سيكون سعر كيس الأرز فقلت له: إن بقيت حياً، وإن كان مرتفع الثمن فاستبدله بأي طعام رخيص يمكنك أكله.
متعنا الله بعقولنا وبصائرنا وأبصارنا، وجعل علمنا أوسع من عقلنا، فمن كان عقله أوسع من علمه فقد تاه.