د. محمد عبدالله الخازم
أسعدني الحظ بحضور لقاء حاضر فيه صديقنا د.محمد الفيصل عن المقالة الأدبية. كنت مستمعا مستمتعا في حضرة قامات اللغة والأدب وهم يبحثون عن هوية/ تعريف/ تجنيس أدبي للمقالة الأدبية، يضع لها بروازا يحفظ لها كينونتها. ليس المقال هنا لتكرار ما طرح وإنما بث وجهة نظر حول المقالة الصحافية..
يهتم أهل الأدب بمقالة مسبوكة بلغة أدبية تتضمن الطباق والجناس وفردانية التعبيرات والأحاسيس والصور اللغوية، وذلك اهتمام له تقديره باعتبارها صنعتهم اللغة والنقد الأدبي، أكثر منه المحتوى والرسالة والمضمون. نحن – غير الأدباء وفق تصنيفهم- نرى المقالة مضمون ووسيلة ورسالة بالدرجة الأولى. بمعنى آخر، يهمنا كتابة مضمون يحمل رؤية/ تصور/ رسالة/ قيمه/ تحليل/ معلومة/ أسئلة أكثر من اهتمامنا بالجنس الأدبي وباللغة الجزلة المسبوكة بصور البلاغة والجمال اللفظي والمحسنات البديعية وقواعد الإعراب الرصينة.. الخ. يعجبنا (ارنست همنقواي) حين أشار بأنه كان يتعلم من قراءة الصفحات الرياضية لأن لغتها مركزة وواضحة ومباشرة حتى عندما كبر وفاز بنوبل لم يتغير رأيه في عدم قناعته بالسرد الأدبي الذي يستخدم الكلمات الكبيرة (الرنانة) أدبيا أو كما وصفها كلمات «الالف - دولار».
وسواء اعترف نقاد الأدب أم أزعجتهم غيرتهم على (كلاسيكية) اللغة وتراثية الكتابة العربية، أذهب لوجهة النظر القائلة بأن الصحافة - والمقالات الصحافية أهم مكوناتها - لعبت دورا كبيرا في تسهيل وتبسيط وتطوير اللغة المستخدمة في الكتابة ليتم إيصال المعنى بشكل أكثر فهما ودقة، مقارنة بالطرق القديمة أو التقليدية أو الأدبية للكتابة العربية. لست متخصصا في البحث اللغوي، لكن أنظر كتابا عربيا كتب قبل مائة أو مائتي عام وآخر كتب حديثا، لترى الفرق في تطور أساليب الكتابة واللغة. بلا شك أهم المؤثرات في ذلك هي الطباعة والصحافة والتثاقف بين اللغات.
الصحافة علمتنا كتابة لغة سهلة مقروءة مباشرة يمكن فهمها واستيعاب مضامينها. لا يهم أن اسموها لغة ثالثة بين الفصحى والعامية، فالعبرة بقدرتها على إيصال المعنى بشكل ميسر. نهتم بسلاسة التعبير ووضوح الفكرة ليفهمها القارئ أكثر من اهتمامنا بالصور البلاغية. تهمنا الرصانة اللغوية، لكنها ليست هم أول مقارنة بهم الفكرة والمحتوى والرسالة والرأي الذي نطرحه. يا ليتهم – نقاد الأدب وأساتذة اللغة بالذات- يحللون ويستوعبون الرسائل والأفكار الظاهرة والمضمرة بين الأسطر والكلمات في مقالاتنا بدلا من محاكمتها وفق معايير الأدب وتجنيساته وتصنيفاته ومحدداته وهياكله (المدرسية) التي يرسمونها.
ولأن المقالة الصحافية – غير الأدبية حتما - شكلت الوعاء الذي ينقل رسائل الناس وهمومهم وأفكارهم ويسهم في خلق أفكار ومعارف جديدة تلعب دورها في تشكيل رأي عام، فقد وصفت بأنها برلمان الشعوب في بعض المجتمعات وعدت أحد أهم مكونات السلطة الرابعة التي من خلالها يتم التعبير عن الصعوبات، المساهمة في تطوير وتحسين السياسات وتقصي الحقائق وغير ذلك من المهام ذات الاثر الممتد. تصنيف المقالات إلى أدبية وغير أدبية ليس ذا قيمة كبرى في هذه الحالة، مع التقدير بأن هناك مقالة تكتب بشكل لغوي جيد وتحوي مواصفات تعبيرية جيدة وأخرى دون ذلك. كاتب المقالة الصحافية الدورية يحكمه الموضوع والوقت والمساحة، ولا يهمل أهمية ترتيب الفكرة وسلاسة السرد وتماسك المحتوى وسهولة الفهم وجزالة المعنى.
ختاما، أول درس أعلمه للطامحين في كتابة المقالة: المقالة كتابة حرة لا يهم كيف تكتبها، المهم هو سهولة قراءتها من قبل المتلقي المستهدف بها وكونها تحمل تعبير، مضمون، تحليل، رسالة، فكرة أسئلة تقدمها. التفاصيل الأخرى هي لغرض التحسين والتجويد..