عبد العزيز الهدلق
الظهور الأول للمنتخب في دورة الخليج أمام البحرين لم يكن مرضياً إطلاقاً لمحبي وعشاق الكرة السعودية، وهو استمرار للظهور غير المقبول للأخضر في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم. ولم يكن المستوى الذي قدَّمه المنتخب أمام الأحمر البحريني مفاجئاً للمتتبع لتفاصيل الكرة السعودية، ومنافساتها المحلية، وكذلك لقرارات اتحاد الكرة المتخذة بشأن اللعبة والأندية والمنافسات، يجد أن تلك القرارات قد فرضت على مدرب المنتخب أن تقتصر اختياراته على نجوم من دكة الفرق، وصفوف البدلاء. فأغلب المراكز الأساسية في الفرق محجوزة للاعبين الأجانب. فحراس المنتخب كلهم بدلاء في فرقهم، وكذلك هدافو المنتخب كلهم بدلاء في فرقهم! فضلاً عن مجموعة كبيرة من المدافعين ولاعبي الوسط!
لذلك فمن الطبيعي أن يظهر منتخبنا بتلك الصورة المهزوزة، والتي لا تعكس واقع الكرة السعودية، ولا تاريخها. ومن غير المنطقي أن نتوقّع لمنتخبنا صورة غير تلك التي ظهر بها في التصفيات الآسيوية، وفي المباراة الأولى في دورة الخليج.
فعندما تكون نسبة اللاعب الأجنبي للاعب المحلي في الدوري السعودي (8 إلى 3) فإن المتضرر بلا شك هو منتخب الوطن. فاللاعب السعودي قد ضاقت فرصته كثيراً في تمثيل الفريق الأول بناديه، ومدرب المنتخب ضاقت مساحة الاختيار أمامه بشكل كبير، وأصبح يعمل وفق قاعدة ليس بالإمكان أفضل مما كان.
ولن يقدم المستقبل حلولاً للمنتخب ما لم يتراجع اتحاد الكرة عن قراراته التي أدت لحدوث تلك الكوارث، وأول القرارات خفض عدد اللاعبين الأجانب تدريجياً إلى أن يصل إلى خمسة لاعبين في الفريق الواحد، وإعادة قوائم الفريق الأول للفرق إلى حالتها السابقة، بدلاً عن قصرها على (25) لاعباً. لأن قرار خفض العدد في القوائم فرض على بعض الأندية استبعاد أسماء واعدة مهمة، انتقلت إلى أندية أخرى، ففقدت البيئة الحاضنة المناسبة لصناعة النجم، فتحول منحنى المستوى الفني لديها إلى الوضع الهابط، بعد أن كان في الوضع الصاعد. فلاعب موهوب صغير السن يتدرب مع مدرب عالمي، ويمارس تدريباته وسط نجوم عالميين، يختلف وضعه تماماً عندما يجد نفسه متدرباً مع مدرب مغمور، ووسط لاعبين عاديين جداً!
لقد طغت فكرة صناعة دوري محلي قوي ومثير في أذهان صنَّاع القرار في اتحاد الكرة، وسط غياب تام في الأذهان عن مصلحة المنتخب. فرأينا الدوري السعودي يتألق ويجذب الاهتمامات الجماهيرية والإعلامية من كل مكان، ويحظى بمشاركة النجوم العالميين الذين صنعوا له القوة والإثارة، وفي المقابل تراجع المنتخب بنفس الوتيرة (عكسياً)، وتقلَّصت الفوارق بينه وبين كثير من المنتخبات الإقليمية والقارية التي كان متفوِّقاً عليها سنين طويلة، بل إن بعضها تجاوز الأخضر وتفوق عليه وهو الذي كان يتلقى الهزائم الموجعة في مراحل سابقة، مثل المنتخب الإندونيسي والمنتخب البحريني، وغيرهما.
وهناك قاعدة معروفة ومتداولة بأن الدوري القوي يصنع منتخباً قوياً، وهي قاعدة صحيحة وسليمة، ولكنها لا تنطبق على دورينا، لأن قوة الدوري لدينا صنعها العنصر الأجنبي، أما العنصر المحلي الذي هو عماد المنتخب فهو الطرف الأضعف في الدوري، وهذا الذي جعل قاعدة الدوري القوي يصنع دورياً قوياً لا تنطبق على الدوري السعودي.
لذلك فطريق علاج وضع المنتخب، وإعادته لقوته السابقة، والارتقاء بمستواه لن يكون إلا من خلال قرارات التصحيح التي ترفع تلك القرارات الخاطئة، وتحدث توازناً بين صناعة دوري قوي، ومنتخب قوي.
زوايا
** ماذا يستفيد المشاهد من إعلامي يحلِّل أداء المنتخب واللاعبين بشكل خاطئ لا ينتمي للتحليل الفني الصحيح، ولا علاقة له بالفهم والمعرفة الفنية؟! للأسف بعض البرامج تتعمد استضافة أولئك ومنحهم فرصة نقد وتحليل أداء المنتخب واللاعبين من أجل صناعة «مقاطع» يتم تداولها في المجتمع، لأنه يتحدث بلغة يخجل الناقد الفني المتخصص من التحدث بها.
** ما قاله مدرب منتخب البحرين دراجان تالاييتش عن النجم السعودي سالم الدوسري يلجم ويخجل كل متعصب متطاول، قليل فهم ومعرفة.
** لن يستطيع هيرفي رينارد تغيير واقع المنتخب، فالأدوات هي الأدوات، ولن يستطيع صناعة معجزة.
** الخلل الذي يعاني منه المنتخب لا يمكن علاجه داخل المنتخب؛ فالعلاج موجود داخل مكاتب وأروقة اتحاد الكرة.
** واقع المنتخب اليوم صعب جداً، ويحتاج إلى قرارات صعبة وشجاعة لتجاوزها. ولا يعيب اتحاد الكرة أن يتراجع عن قرارات اتخذها سابقاً وثبت عدم سلامتها.
** إذا لم يعترف اتحاد الكرة بأن مشكلة المنتخب هي طغيان اللاعب الأجنبي في الدوري السعودي فإن منتخبنا سيبقى على مثل هذا الوضع وأدنى، فلا يمكن لأي مدرب منتخب أن تقتصر اختياراته على ثلاثة لاعبين فقط من كل فريق وكثير منهم في مراكز متماثلة.