عادل علي جودة
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مساحة النشر لا تتسع لسرد تفاصيل هذه المحاضرة الثرية الشاملة، ولذلك أنتقل إلى توثيق ومضة سريعة تجاه مداخلة عميقة وشاملة لشيخ الإعلاميين؛ أستاذي الإعلامي الكبير خالد المالك؛ رئيس هيئة الصحفيين السعوديين، ورئيس اتحاد الصحافة الخليجية، وقبل ذلك رئيس تحرير سيدة الصحف العربية؛ «جريدة الجزيرة السعودية التي أشعر تجاهها بعظيم الاعتزاز، وأدين لها بعميق الامتنان؛ إذ تحتضن حرفي المتواضع منذ ما يقارب ربع قرن، وقد غمرتني السعادة بجلوسي إلى جواره في هذه الأمسية العامرة بالنفع والفائدة.
لقد شكّلت مداخلة الإعلامي خالد المالك إضافة نوعية أثرت الموضوع عبر سرد أدبي لافت الفصاحة وجليّ البيان، قائلًا: «أشكر الإثنينية على دعوتي ضمن هذه الكوكبة من الحضور، وأنوّه إلى حسن الاختيار لضيف هذه الليلة، فنحن أمام قامة إعلامية كبيرة لم تصرفه نهاية العلاقة بينه وبين وزارة الإعلام في الكويت، وإنما واصل عمله المهني ومواهبه الكثيرة في تسليط الضوء على الجوانب الإعلامية عبر أطروحاته، وموضوعاته، ومداخلاته، والأعمال التي يقوم بها في مختلف المجالات». وأضاف: «هذا الاختيار جعلنا في هذه الليلة نستمتع باستحضار التاريخ، واستحضار الأحداث والقضايا التي مرت بها الأمة العربية على مدى عقود من الزمن، والتأثير الكبير الذي مسّ الكثير من الدول وجعلها في الوضع السيئ الذي تمر به الآن؛ حروب كثيرة، وانقسامات، وتفريط بالكثير من المنجزات التي تمت بإرادة شعوبها وبأموال هذه الدول التي نجدها اليوم في وضع لا تحسد عليه». ثم راح يؤكد أن «الإعلام والهُوية الوطنية قضية مهمة جدًّا لأنه دون الانتماء لا يمكن أن يكون لدولنا ولشعوبنا القوة في مواجهة ما يخطط لها من الدول الطامعة، وأظن أنه عندما يتحدث مثل ضيف هذه الليلة وهو وجه مألوف في القنوات التلفزيونية ومن يتابع أيضًا كتاباته في الصحف سيجده دائما حريصًا على توظيف إمكاناته وقدراته في خدمة هذا الانتماء العربي والدفاع عن المكتسبات التي حققتها دولنا في فترة زمنية ليست قصيرة. صحيح أن الانتماء إلى الأوطان هو أولوية بالنسبة لكل مواطن في كل دولة، ولكن هذا الانتماء بدون العلاقة الطيبة مع جيرانه ومع الدول الأخرى والشراكات التي يجب أن تُبنى لمصلحة كل الأطراف المنضوية تحت هذا النوع من التعاون، فكلما كانت هناك خلافات ونزاعات وصراعات كلما كانت التحديات كبيرة وكثيرة ومستمرة، ولحسن الحظ أن المملكة ودول الخليج تتجنب كل ما يضعها في موقف الدفاع عن النفس في ظل الهجمات وفي ظل الأطماع لدى الدول الأخرى، وبالتالي رأينا الاستقرار، والأمن، والتطور في التعليم، وفي الصحة، وفي الخدمات البلدية، والنمو في مختلف الاتجاهات كما هو مشاهد في المملكة وفي بقية دول الخليج. لا أريد أن أطيل، بل أختم فقط في الجانب الإعلامي، أن الواقعية والموضوعية التي تتمتع بها وسائل الإعلام الخليجية دائما ما تقود إلى ما نحن فيه من أمن واستقرار، ليس هناك توظيف في هذا الإعلام للإساءة لدول أخرى، بل إن وسائل إعلاما تترفع عن الإساءة لأي دولة أو لأي مجاميع، حتى وإن تلقت بعض الإساءات من بعض هذه الدول دون وجه حق. والإعلام التقليدي؛ إعلام التلفزيون، والصحافة الورقية، وحتى الإعلام الرقمي، لا يزال يحتفظ بكثير من التماسك بعدم الخروج عن النص، بينما في المواقع والمنصات هناك الكثير ممن يمارس مهنة الإعلام دون تحضير، ودون استعداد، فيحدث التخبط وينتج عنه الكثير من الأخطاء، مما يجب ـ كما أشار المحاضر ـ أن تكون هناك دورات تدريبية تقودها الدول لتحسين المستوى والمحتوى لهذا النوع من الإعلام الجديد». وفي ختام مداخلته وصف المالك الجهد الذي تبذله الإثنينية في خدمة الفكر والثقافة والإعلام بالخلاق.
كما شهدت هذه الأمسية مداخلة أخرى قيمة لصاحب صوتٍ مميز لطالما أطل علينا عبر التلفزيون السعودي؛ إنه الإعلامي سليمان العيدي، الذي بدوره عبر عن شكره لإثنينية الذييب على اختيارها لأحد الموضوعات المهمة في هذا الوقت تحديدًا وهو موضوع الإعلام والـهُوية الوطنية، مشيرًا إلى أنه من أهم الموضوعات التي يجب على وسائلنا الإعلامية الحكومية أن تعززه وأن ترتقي بطرحه، وعلى منظومة مجلس التعاون الارتقاء قليلًا في أن يُعطى هذا الموضوع الأهمية الكبيرة، مؤكدًا أن سبب الاستقرار الأمني في هذه المنطقة هو نبوغ الـهُوية الوطنية والانتماء لدى شعوبها.
وكما هو دومًا ديدن الإثنينية في كل لقاء، إذ تحرص على تخصيص بعض الوقت للشعر وهو كما يُقال «ديوان العرب»، إذ يسهم خلالها الشعراء بما تجود به قرائحهم، وقد كانت لي غزلية شعرية سريعة هامسْت بها رفيقة دربي وحاملة همي أم أولادي نعمة؛ شافاها الله وعافاها، قلت فيها:
مَلَكِيَّةُ الْعَيْنَيْنِ وَالشِّفَةِ
قَمَرِيَّةُ الخَدَّيْنِ سَاكِنَتِي
أَسَمِعْتِ هَمْسَ اللَّيْلِ فِي سَهَرِي
لَكِ أَنْتِ يَسْمُو الْبَوْحُ غَالِيَتِي
أَسَمِعْتِ شَدْوَ الْعُودِ يَا قَمَرِي
لَكِ أَنْتِ يَشْدُو الطَّيْرُ أُغْنِيَتِي
زَمَنٌ مَضَى مَا غِبْتِ عَنْ بَصَرِي
فَتَبَسَّمِي يَا كُلَّ أَوْرِدَتِي
هَنِئَتْ بِكِ الْأَهْدَابُ هَائِمَةً
وَبِكِ ارْتَقَتْ فِي خَافِقِي لُغَتِي
وَبِكِ انْتَهَى كُلُّ الْجَوَى أَبَدًا
وَبِكِ اعْتَلَتْ أَصْدَاءُ أُمْنِيَتِي
فَلَكِ الْوَفَا مَا دَامَ بي نَفَسِي
وَلَكِ الرِّضَا فِي كُلِّ أَزْمِنَتِي
أما وقفتي؛ فتتصل بمشاعر الحنين والحيرة التي لازمتني واشتدت وخزاتُها على امتداد المحاضرة وما أعقبها من مداخلات وتساؤلات تحاكي معالم الـهُوية الوطنية، أما الحنين؛ فيلامس آهات شعب لم يزل يعاني الفقد، والتشتت، والحرمان، منذ أن انتُهكت أرضه، وسُلبت أملاكه، وقُيدت حريته، وأما الحيرة؛ فتسكن ما يعانيه هذا الشعب من أسقام الانقسام والاقتتال حتى فقد لحمته، والانزواء عن عمقه العربي وبعده الإسلامي؛ فزادت محنته وخسر ما هو في أشد الحاجة إليه من تعاطف ودعم ومؤازرة. وها هو ذاك التساؤل الكبير يرتسم داخلي، ويلاحق غُصتي حيال هذا الشعب: لماذا - على امتداد كل هذه العقود من الزمن - لم تُحَل قضيته، ولم ينل حقه في استرداد وطنه، وإقامة دولته، ونيل استقراره وحريته؟ تساؤل كبير يحاصرني ملوحًا بما ضجت به هذه الأمسية من معالم الهُوية الوطنية بكل ما تعنيه من ولاء وانتماء وإخلاص ووفاء، وإني لأجزم القول إنها (كلمة السر) التي أشار إليها معاليه، والتي - بكل أسف - لم نزل عنها غائبين.
** **
كاتب فلسطيني - الرياض