د.محمد بن عبد العزيز الفيصل
اجتهد النقاد في رسم الفواصل بين الأجناس الأدبية، وتوسع الباحثون في دراسة الحدود بينها، ومع عمق هذه الدراسات ودقتها وصرامتها، إلى جانب تدعيمها بقواعد تكوين هذه الأجناس؛ إلا أن بينها حدودًا ضبابية تمثلها القواسم المشتركة التي تجسدها بعض متطلبات بناء هذه الأجناس، مما يكشف مواضع التماس بينها! ليقف الدارسون على صنوف من هذا التداخل، وهذا ما أشار إليه الناقد الألماني (كارل فياتور) الذي يقول: «في الجدال العلمي الذي قام في بحر العقد الماضي، حول علاقات الأجناس الأدبية بعضها ببعض، لم يكن لاستعمال مفهوم الجنس من الوحدة ما ينبغي لكي يحصل التقدم أخيرًا في هذا الميدان الصعب، آيته أنهم يتحدثون عن الملحمة والشعر الغنائي والمسرح بصفتها الأجناس الثلاثة الكبرى؛ وفي الوقت نفسه تُسمَّى القصة القصيرة والملهاة والأنشودة أجناسًا أيضًا، فيكون على مفهوم واحد أن يشتمل على ضربين من أشياء مختلفة».
هذا الاختلاف حول مفهوم الجنس الأدبي جعل المتلقين في حيرة أمام هذه الأجناس التي تتشابه في بعض حالاتها، وهذا ما دفع بعض الباحثين إلى إلقاء الضوء على هذا النمط من التقاطع الأدبي، ودراسته من أجل معرفة دوافع ومسببات هذا التماس.
إن الاختلاف حول تعريف الجنس الأدبي الذي يعرف الدارسون مفهومه العام ودلالته حقيقة راسخة في ميدان التحليل الأدبي؛ فقد أجمعوا أن هذا الاختلاف حول مفهومه همٌّ دائم، رافقه في مختلف أطواره ومراحله، يؤكد ذلك رأي كلٌّ من: (ديكرو) و(تودوروف) في هذا الموضوع.
وفي إطار تطور الدراسات التي تناولت موضوع الأجناس الأدبية برزت فئة من النقاد تطالب بإلغاء الحدود الفاصلة بينها، ومن أبرز من تبنى هذا الموضوع (رولان بارت)، الذي يرى أن النص يسيطر عليه مفهوم التناص الذي يقنن عملية تدوير الأقوال وإعادة إنتاج الأفكار، فالنص من وجهة نظره مجموعة من النصوص المتداخلة والمترابطة فيما بينها، فهي عبارة عن خطابات متعددة، يقول (بارت) في هذا السياق: «بمجرد أن نخوض ممارسة الكتابة، فإننا سرعان ما نكون خارج الأدب بالمعنى البرجوازي للكلمة، هذا ما أدعوه نصًا، وأعني ممارسة تهدف إلى خلخلة الأجناس الأدبية: في النص لا نتعرف على شكل الرواية أو شكل الشعر أو شكل المحاولة النقدية».
وفي هذا المقام يبرز سؤال مهم؛ يجعلنا نعيد التفكير في الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية! وهل يمكن أن يكون التماس الذي قد يحدث بينها هو مرحلة لولادة جنس أدبي جديد؟ ربما لكن لا بدّ من تهيئة الظروف لذلك، ويجب ألا يتسرّع النقاد في مهاجمة أي نصّ جديد لا تنطبق عليه القاعدة الأجناسية! فربما تكون هذه التجربة هي البذرة التي ستكون شجرة تثمر لنا جنسًا أدبيًا جديدًا في المستقبل، ولهذا أقول لهم رفقًا بتجارب شبابنا!