علي حسين (السعلي)
ارتمى في أحضان الهوى، غازل أطياف الغرام تمرّد على حياة السكون، ترك رأسه حاسراً: مكشوف القفا بجبينٍ يتقاطع مع خيوط يده، نثر على الورق أطناناً من الهم والحزن والكآبة.. أول ما يلتقط قلمه ليكتب يستجرّ ذكراه بأنفاس التعب، حتى مركازه الذي يتكئ عليه حفره جلوساً، أحلامه فقط كيف يعيش اللحظة بعنفوان غربتها: كأس ممتلئ بالعنب مع خمرة الأماني همهمات عشقٍ، ركمنه بنات الغواية ضحكات تجلجل بأوراق توت تتهاوى كلما أخذته رجلاه إلى البحر عند شاطئه رسم فتاةً عارية ورأسها بلا شَعْر، ولسان ممتد خارج شفاهها، واليدان إبهاميهما في أذنين بأربعة أصابعٍ كالمروحة.. جلّ همه أن يأتي مد البحر فيدلف الماء جزر محو ما رسمته عندها ينطلق قاعداً تاركاً خلفه أذيال الهزيمة تجرّه كالعربة جرّاً لا شيء يهمّه وقتها إلا ثنتان: إتقان لوحة في مخيلته وانكباب ما يحسّه بابتسامة هكذا كان يومه بكل متناقضاته، حين يذكر اسمه: - يا عم دغيثر! فيقول: - يبدو أن السماء تفي بوعدها لتغرق الأرض والورق! لكن الخوف كل الخوف أن ينكّس الورد حياءً بحبّات بَرَد تصيب خاصرتها تقاوم ألا تذبل، وقد تنتظر أو تقضي نَحْبها.. كان يسأل نفسه كثيراً في سؤال إجاباته مفتوحة ذاك السؤال هو: ماذا إن متّ الآن على مَنْ يبكي عليّ؟ بين عينيه يفتتح شريط الذكريات: -حبيبته تلك التي تهزّ بمؤخرتها على سنابها وهو في وضع المندهش يتأهّب لخوض معركة محتدمة- أنثى لسانها طويل جداً كخدها تحب النساء قرباً شعرها إلى شحنة أذنيها مهنّدة رمش عينيها تنام إلى منتصف ليل تصحو على هاتفها تتصفح قلّة الأدب تتزوج تعيش لتأكل وتتبسم مع كل مقطع تافه كعقلها - أمّه تلك التي فارقت الحياة وهي تقول له: روح يا دغيثر الله يهديك ويصلح حالك - أبوه الذي حين سافر للدراسة بإحدى الجامعات مغادراً جلس الأب مقابل بيته في قريته وأمامه الجبل يبكي ويصرخ: يا رب توفق دغيثر والله بيوحشنا المال يفيض من جيبه، الخدم حوله يساعدونه شركاته بضغطة زر ينمّي ثروته أو يستطيع نسفها لكنه فارغ من داخله لا أحد يسأل عنه سوى ممرضة مغربية غرتها تغطي كحل عينيها الواسعتين فحين تهرول إليه فرحاً كأن القمر أمامه تتمنّى الرضا منه بكلمه وشفتاه يابستان من الحبّ! كل ما جلس مع نفسه وهذا ديدنه صباحاً مساء يدندن بأغنية لطلال مداح: وترحل.. صرختي.. وتذبل في وادي لا صدى يوصل.. ولا باقي انين زمان الصمت يا عمر الحزن والشكوى يا خطوة ما غدت تقى.. على الخطوة على هم السنين.. وترحل صرختي وتذبل حبيبي يا حبيبي.. كتبت اسمك على صوتي.. كتبته في جدار الوقت على لون السما الهادي.. على الوادي على موتي وميلادي.. حبيبي يا حبيبي أنا عمري انتظاري لك لا تحرمني حياتي لك.. وترحل.. صرختي.. وتذبل رحل طلال واختفى البدر مهندس الكلمات وذبل هو في الذكريات غارقاً بالأغنيات ونعش الأمنيات.. تضع ممرضته الحسناء يديها على كتفه وهي تقول: دغيثر أحبّك برشه تساعده على السرير، تطفئ الأنوار، تضع له موسيقى هادئة بصوت محمد عبده «فوق هام السحب» تضع كرسيه المتحرك بقربه تشغل التلفاز على أخبار التاسعة.
سطر وفاصلة
كلما شاهدت القمر في الفضاء تذكرتكِ وحسدته لأنه أخذ من جمالك وأنتِ زدتِ عليه ضياءً وهبطتِ إلى الأرض كوصيّة أمي فسكنتْ نصيحتها بعقلي وفي قلبي حفظتكِ لم التفت للشمس أعرف أنها بدايات النهار وغروب الوحشة لكن الآن اختلفت نظرتي للشمس متى؟ حين أبصرت.