سليم السوطاني
تُعدُّ القراءة إحدى الوسائل المهمة في بث الوعي داخل العقول، فمن خلالها تتكوّن شخصية الفرد، ويرتقي بطريقة نظرته وأفكاره تجاه نفسه وحياته. تتوالد الأفكار والرؤى من نتاج القراءة والبحث والاطلاع الدائم.
إن أحوج ما يتطلبه المجتمع، الذي يريد لمستقبله أن يكون عامرًا بالازدهار والتقدم والحضارة، هو تشجيع أفراده على ممارسة القراءة الدائمة، والإقبال عليها؛ بحيث تكون عادة مفضلة يغوص في بحرها القراء.
ليس شرطًا أن يبدأ القارئ بقراءة مكثفة في جميع المجالات. المهم أن يملك الدافعية والرغبة في القراءة، وتكون البدايات بقراءة الكتب المفضلة، ومع مرور الوقت سوف يكتسب مهارات عدة من مستويات القراءة وستتكون عنده خاصية النقد الواعي لما يقرأ، ويكون على دراية بتوجهات الكتّاب وغرض كل كتاب يقع بين يديه.
فإذا وصل إلى هذه المرحلة المتقدمة فسيكون في وسعه أخذ ما ينفعه ويوافق آراءه، وسيرفض ما لم يتفق معه، سواء أكان مع مبادئه وتوجهاته أم ضدها.
عندما يصل إلى هذا المستوى فهو - بلا شك - سيكون القارئ الجيد والحصيف، الذي يعوّل عليه؛ لنستمع لنتاج فِكْره وتأملاته، وثمرات قراءاته، ونستمتع بالحوار معه، وحتى الاختلاف معه يكون اختلافًا راقيًا ومثمرًا في بعض الأحايين. نخرج من جلسة النقاش مع هذه النوعية الواعية من القراء بأفكار جديدة ومختلفة.
الشيء الآخر، الذي يلاحظ على القارئ الجيد، أثر القراءة في سلوكه، وتقبله للآراء المختلفة، والرقيُّ في تعامله، وسموُّ أخلاقه عند الاختلاف، والتواضع والاعتراف بينه وبين نفسه - كلما قرأ - بجهله الذي كان عليه، والسعي دائمًا إلى ردم هذه الهوة بالقراءة والمراجعة. وإذا افتقد القارئ مثل هذه الأمور، ولم يكن حضاريًا وإنسانيًا في تعامله مع الآخرين، فقراءاته مجرد إضاعة لوقته سدى، ولم يجنِ من القراءة الأثر الجميل، والفوائد الجمة في زيادة وعيه وإدراكه، فقيمة القراءة في حياة القراء قيمة سامية إذا انعكست في مرآة سلوكه وطريقة تفكيره، وزادت في وعيه ورقيه.
يجب علينا أن نقرأ، ونحثَّ ونشجّعَ على هذه الفضيلة الراقية، وألا نكثر في فرض الوصايات من خلال اقتراح العناوين للقراء المبتدئين، أو المتقدمين، ندع القارئ يبحث عما يناسبه، ويكتشف المجال الذي يحب أن يقرأ فيه. ومن خلال هذا الطريق، الذي سيكون صعبًا في البداية - لا ريب - أنه سيصل أخيرًا إلى ما يريد ويشتهي بشغف، دون وصاية، ولن يضل الطريق أبدًا إذا اعتاد على هذا الفعل الجميل.
ورحم الله المتنبي، حيث قال:
أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سرج سابحٍ
وخير جليسٍ في الأنام كتابُ