عبدالعزيز صالح الصالح
الكل مِّنَّا يدرك تمام الإدراك أن الحضارة العربيَّة لعبت دورا بارزاً ومهماً في تاريخ البشريَّة عامَّة، وقدمت خدمات جليلة، وفتحت آفاقاً واسعة، في كافة ميادين الحياة، مما خلفت آثاراً وأبحاثاً، على الساحة جعلتها ناطقة، وشاهدة على ما وصلت إليه من التقدم والرقي، رغم التيارات المتلاطمة التي انتابت هذه المعالم الأثرية، من التشويه والتخريب والسّلب والنّهب والتدمير، على أيدي حاقدين من الغزاة والأعداء المدفوعين بشتَّى الطرق من مادِّيِّة ومعنوية ونفعية، كما حدث في زمن الاستعمار الغربي البغيض، في سائر أنحاء البلدان العربيَّة والإسلاميَّة، فقد حاول العديد والعديد من مؤرِّخي الغرب طمس معالم هذه الحضارة العملاقة، بشتَّى الوسائل والأساليب، إلاَّ أن أشعَّة الشَّمس المشرقة، لا يمكن حجب نورها الوضاء حيث إن الساحة الدولية، لا تخلو من الأخيار المنصفين، الذين ينظرون إلى التاريخ وبنظرة ثاقبة، وبضمير حيِّ وعقول تربة، وأعين مبصرة، من هؤلاء المستشرقين وعلماء الاجتماع وبعض المؤرِّخين والباحثين في الاقطار الغربيَّة، أمثال أناتول فرانس - وغوستاف ليبيون - وروجيه غارودي .فإن الأصوات تتعالى من كل حدب وصوب، بمطالبة بالعدالة والمساواة بين كافَّة شعوب الأرض، فقد عقدت المؤتمرات واللِّقاءات والنَّدوات، وذلك من أجل إعداد نظام موحد في مجال الاقتصاد والمجال المالي، وذلك من أجل تغيير النَّظام الماضي القائم على أسس مضى زمنها وتجاوزها الركب الحضاري الراهن. فقد بدأ العالم يفكر، ويتأمل، ويبحث، ويخطط بدقَّة، وعناية، بأن النظام الغربيِّ لا يستطيع أن يقوم بوحده، بل من الواجب أن يساهم الجميع في إعداده، فالجميع يعملون بصفة عامة، وذلك لمصلحة الكل ومحبة الكل.
فليس الغرب وحده، يعمل على تحسين ظروف الحياة - بل هناك حضارات أخرى - غير غربية في شتَّى أنحاء المعمورة، تعمل كذلك على تحسين الظروف الحياة - بكافة وسائلها المتعدَّدة كما قال المؤرِّخ روجيه غارودي - لا بُدَّ من إيجاد قاسم مشترك بين جميع الحضارات في العالم، ومن الواجب سماع آراء عملائها وحكمائها وأصحاب الخبرة فيها فقد أشاد المؤرِّخ روجيه - أن تاريخ الغرب بشكل عام مفعم بالمخازي زاخر بالجرائم، منذ بزوغ فجر عصر النهضة الأوروبية حتى عصرنا الحالي. فإن مفهوم المرء الغربيِّ يناقض الحضارات، غير الغربيَّة، التي تحترم علاقات الإنسان، على وجه الخصوص. فقد وقف الغرب حجرة عثرة في انتشار النور والمعرفة - وقام الاستعمار الفرنسي، بتشويه الحضارة العربية تشويها مقصوداً، فصور التوسع العربي بالهجمة البربرية الآسيوية على الغرب!! وقام الاستعمار الإنجليزي والاسباني والفرنسي، يتجنى بصورة منظمة على فضائل الحضارة العربيَّة مدة طويلة من الزمن، فقد حمل العرب معهم، نظاماً اجتماعياًّ، أكثر تفوقاً من الأنظمة السائدة في ذلك الوقت فقد قام العرب ببناء وسيلة مدهشة من وسائل الري في ذلك العهد إلى جانب البحوث في مجال الطِّبِّ، والاقتصاد، والثَّقافة، والريِّاضيَّات والكيمياء، والفيزياء، والاحياء، والصِّناعة والملاحة البحرية، فقد أشاد الشاعر الكريم: بهذه الأبيات التَّالية قائلاً:
فالشرق مهد الحضارات التي انطلقت
منها الثقافات في ماض من الزمن
والشرق مذ كان للتاريخ مفخرة
وتلك أسواره للريح لم تلن
مهد الحضارات هذا الشرق قاطبة
كأنما العرب في التاريخ لم يكن
نحن الَّذين وهبنا الغرب معرفة
وبالفتوح ملأنا البحر بالسفن
نحن الَّذين نشرنا النور فانبثقت
منه الأشعَّة في الأمصار والمدن
نحن الَّذين انتشلنا الغرب من ظلم
قد كان يمضي بها في جهلة الوثن
نحن الَّذين رفضنا كل زندقة
وكل جهل مقيت لجح في العفن
وكم تسامت بنا الأخلاق شامخة
وفي الشهامة عهد النبل لم نخن
وتلك آثارنا في الغرب ناطقة
بكل قد أريب نابغ فَطِن
فقد بذلنا وماء الفكر غالية
لكل علم رصين بالهبات غني
فهذه الأبيات سابقة الذكر أفضل وأدل برهان على ذلك، فالعرب قاطبة لهم باع طويل في كافَّة المجالات في تقدم الأمم.
والله الموفِّقُ والمعين.