سطام بن عبدالله آل سعد
في مشهد كرة القدم السعودية، تتكرر ظاهرة الإداريين الذين يشغلون المناصب بأسلوب عشوائي وفوضوي، أشبه بـ»العربجة الإدارية»، بعيدًا عن أبسط معايير الاحترافية والمهنية. أحد مديري كرة القدم في أحد أندية آخر الدوري، الذي بدا وكأنه نسي دوره كمدير كرة في فريقه الحالي، وانصرف للحديث وكأنه لا يزال يعمل في ناديه السابق الذي اعتاد التنقّل منه وإليه. تصريحاته الأخيرة حول «عدالة المنافسة» و«التفاوت المالي» كشفت عن افتقار شديد للفكر الإداري العميق، وعجز واضح عن التعامل مع التحديات الداخلية أو تقديم رؤية إدارية تسهم في تطوير فريقه.
مثل هذه التصريحات ليست سوى محاولة بائسة لتحويل الأنظار عن إخفاقات إدارية متكررة تعاني منها بعض الأندية. هؤلاء الإداريون يبررون ضعفهم بتصدير أزماتهم إلى الإعلام بدلاً من العمل على تطوير فرقهم ومعالجة مشاكلهم الجوهرية، مما يضعف جودة الدوري ويعطّل مسيرة التقدم الرياضي.
لا خبرات ولا شهادات!
وزارة الرياضة، من خلال الدعم الحكومي السخي الذي يتجاوز المليارات، تهدف إلى تحقيق نهضة شاملة في الرياضة السعودية وجعلها قادرة على المنافسة عالميًا. لكن هذا الدعم يصطدم بوجود إداريين غير مؤهلين يفتقرون إلى أبسط مقومات الاحترافية. إن وجود إداريين لا يمتلكون لا الخبرات العملية ولا الشهادات المتخصصة في إدارة الرياضة، يُشكِّل تهديداً لفعالية هذا الدعم.
لكي تتحقق الاستفادة الحقيقية من هذا الدعم، يجب أن تُواكبه أندية تُدار بفكر إستراتيجي وعلمي، وأن يتم تعيين إداريين محترفين يمتلكون خلفيات أكاديمية متخصصة في الإدارة الرياضية وخبرات عملية تمكِّنهم من استثمار هذه المليارات في بناء فرق قوية ومستدامة. إنّ استمرار الاعتماد على إداريين تنقصهم الكفاءة والخبرة سيُبدد هذه الموارد بلا طائل، وسيتحول الدعم الحكومي من فرصة للنهوض إلى عبء يهدد تطور الرياضة.
المال أم الفكر؟
التفاوت الحقيقي بين الأندية السعودية لا يكمن في المال، بل في الفكر. فالأندية التي تدرك أهمية التخطيط والاحترافية، مثل الهلال، نجحت في بناء منظومة متكاملة تُدار بإستراتيجيات طويلة الأمد، مما جعلها تتفوَّق محليًا ودوليًا. أما الأندية التي تعاني من فوضى إدارية وعربجة في القرارات، فهي تظل عالقة في دوامة من المشاكل الداخلية، غير قادرة على مجاراة الأندية الكبرى حتى لو توافر لها الدعم المالي نفسه.
خطر يحتاج إلى حل
الخطر الحقيقي على مستقبل الدوري السعودي ليس في وجود أندية قوية مثل الهلال، بل في استمرار الأندية الأخرى بالاعتماد على إداريين يفتقرون للخبرة والاحترافية. الحل يبدأ من فرض معايير صارمة لتعيين إداريي الأندية، بما يشمل الحصول على شهادات أكاديمية متخصصة وخبرات موثوقة في مجال الإدارة الرياضية.
الهلال، بفضل إدارته الاحترافية، يقدم نموذجًا يُحتذى به لكل من يريد النجاح، وذلك من خلال العمل الجاد، والتخطيط المدروس، والكفاءة الإدارية. أما الإداريون الذين يعتمدون على العربجة في إدارة أنديتهم، فلن يكون لهم مكان في المستقبل الذي تسعى المملكة إلى تحقيقه، وتُدار فيه الرياضة بفكر إستراتيجي يواكب الدعم الكبير الذي يُقدم لها.