تغريد إبراهيم الطاسان
في خطوة تعكس رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة نحو تعزيز الصناعات المتقدمة وتنويع الاقتصاد، أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، عن إطلاق تسمية (مجمع الملك سلمان) على منطقة صناعة السيارات في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية. هذه الخطوة ليست مجرد تسمية جديدة، بل تمثل ركيزة أساسية ضمن الاستراتيجية الصناعية للمملكة، الهادفة إلى تعزيز مكانتها كمركز إقليمي وعالمي لصناعة السيارات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوطين التقنية، وخلق فرص عمل نوعية للمواطنين.
يمثل (مجمع الملك سلمان) أحد المحاور الرئيسية في الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي أطلقتها المملكة ضمن رؤية 2030.
يهدف المجمع إلى تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني عبر توطين صناعة السيارات وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وهو ما يساهم في تعزيز الميزان التجاري وتخفيف العجز في ميزان المدفوعات.
كما يعزز المجمع من مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي، إذ تستهدف المملكة زيادة نسبة مساهمة القطاع الصناعي إلى 20 % من الناتج المحلي بحلول عام 2030.
ومن المتوقع أن يكون المجمع نقطة جذب للاستثمارات العالمية، خاصة أن شركات السيارات الكبرى تبحث عن مواقع تصنيع تمتلك بنية تحتية متطورة وسوقًا واعدًا.
من خلال تقديم حوافز للمستثمرين وتوفير بيئة أعمال تنافسية، يمكن للمجمع أن يجذب شركات تصنيع السيارات التقليدية والكهربائية، مما يعزز سلاسل التوريد المحلية ويوفر فرص نمو للقطاع الخاص.
تشير التوجهات العالمية إلى أن صناعة السيارات تشهد تحولًا كبيرًا نحو السيارات الكهربائية والمستدامة، وهذا ما تعيه المملكة جيدًا.
فقد شهد المجمع انطلاقة قوية من خلال احتضانه لأول منشأة لتصنيع السيارات الكهربائية التابعة لشركة (لوسد موتورز)، التي يمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصة كبيرة فيها.
هذه الخطوة تعزز موقع السعودية كلاعب رئيس في سوق السيارات الكهربائية، الذي من المتوقع أن يشهد نموًا كبيرًا خلال العقد القادم مع تصاعد التوجهات البيئية العالمية.
لا يقتصر تأثير المجمع على جذب المصنعين فحسب، بل يمتد ليشمل تطوير منظومة متكاملة لدعم قطاع السيارات، تشمل مراكز أبحاث وتطوير، ومرافق اختبار، ومصانع لإنتاج المكونات وقطع الغيار محليًا.
هذا الأمر يقلل من الاعتماد على الاستيراد، ويساهم في بناء سلسلة إمداد قوية تدعم استدامة القطاع على المدى الطويل.
اختيار مدينة الملك عبدالله الاقتصادية كموقع للمجمع لم يكن عشوائيًا، بل جاء وفق رؤية استراتيجية تستند إلى الموقع الجغرافي المتميز والبنية التحتية المتطورة للمدينة.
فهي تقع على البحر الأحمر، ما يسهل عمليات التصدير إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، خصوصًا مع ارتباطها بشبكة من الموانئ والمطارات والطرق السريعة التي تسهّل حركة البضائع والمواد الخام.
كما أن المجمع يعزز من دور المملكة كمركز إقليمي لصناعة السيارات في الشرق الأوسط، حيث توفر السعودية بيئة استثمارية مستقرة، مدعومة بتشريعات تحفيزية وتسهيلات اقتصادية لجذب الشركات الكبرى.
هذه العوامل تجعل من المجمع منصة مثالية لتصنيع السيارات وتصديرها إلى الأسواق المجاورة، خصوصًا أن هناك طلبًا متزايدًا على السيارات في دول مجلس التعاون الخليجي.
يرتكز “مجمع الملك سلمان” على مفهوم الاستدامة، حيث يتم تطويره وفقًا لأحدث معايير التصنيع الذكي والصديق للبيئة. من خلال دمج تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، يمكن للمجمع تحقيق كفاءة تشغيلية عالية وتقليل الانبعاثات الكربونية، وهو ما يتماشى مع التوجه العالمي نحو الاقتصاد الأخضر.
كما أن الاعتماد على الطاقة المتجددة في تشغيل مصانع المجمع يعزز من مكانة المملكة في مجال الطاقة المستدامة، خاصة مع مشاريعها الطموحة في قطاع الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر. هذه الخطوة تضع السعودية في موقع ريادي كمركز لصناعة السيارات الكهربائية التي تعتمد على مصادر طاقة نظيفة ومستدامة.
إلى جانب الفوائد الاقتصادية والاستثمارية، يشكل المجمع رافدًا مهمًا لسوق العمل السعودي. فمن المتوقع أن يوفر آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة في مجالات الهندسة والتصنيع والبحث والتطوير والخدمات اللوجستية.
كما يسهم في تعزيز برامج التدريب والتأهيل للكفاءات الوطنية، حيث تسعى المملكة إلى بناء جيل جديد من المهندسين والفنيين السعوديين القادرين على قيادة الصناعة المستقبلية.
الاستثمار في رأس المال البشري من خلال الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والجامعات السعودية سيساهم في نقل المعرفة التقنية وتطوير المهارات المحلية، مما يدعم تنافسية السوق السعودي على المستوى العالمي.
ختامًا.. يعتبر “مجمع الملك سلمان لصناعة السيارات” أكثر من مجرد مشروع صناعي، فهو جزء من رؤية استراتيجية تهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية متقدمة تعتمد على الابتكار والتكنولوجيا والاستدامة.
ومع استمرار تنفيذ المشاريع الكبرى التي تعزز التنويع الاقتصادي، فإن السعودية تضع نفسها على الخريطة العالمية كوجهة رئيسة لصناعة السيارات، مما يدعم نمو الاقتصاد الوطني ويحقق طموحات رؤية 2030.