رمضان جريدي العنزي
بعضهم يجيد الكلام الكثير، والتنظير الممل، فثقافة التنظير لديه دون الفعل تسيطر عليه، وتستوطن دماغه ومفاصله وحجرات قلبه الأربعة، بأمتياز ينظر ويتفلسف ويقول، يغرق بالتنظير والكلام والإسهاب بالحديث، لديه قدرة على التحدث والتمنطق، لكنه يفتقد للتطبيق الحقيقي، فثقافته تنظير، وحديثه تنظير، ولغته تنظير، ونظرته للأمور تنظير، ولذلك تأتي نتائجه عكسية واهنة سقيمة وضعيفة، لأنه يقول غير ما يؤمن به، وليست لديه القدرة على فعله، بل في لحظة ما ينسى ما نظر به أو يتناسى أن التنظير الخالي من المصداقية والمهنية والموضوعية والأقدام لا يعد عملاً مجدياً، بل مجرد شعار رنان، ينظر للشيء ولا يتقيد به أو يعمل من أجله، ينظر للتكافل الاجتماعي، وصلة الأرحام، والبر والإحسان، ويدعو لصيانة المبادئ والقيم والمثل العليا، وعدم هدمها وخرابها، وفي المقابل يعمل ضد ما ينظر به، ولا يمارس أياً من أنواع التكافل الاجتماعي والأسري، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل، لا يسعى مع الناس، ولا يهتم بأقرب الناس إليه، يهجرهم ويلفظهم ويشيح بوجهه عنهم، لا يكلمهم ولا يحدثهم ولا يتفقد شؤونهم وأحوالهم، بل يتكبر عليهم ويتعالى، أنها الازدواجية المقيتة، والفلسفة البغيضة، والانحراف البائن، ينظر عن وجوب الصدق والورع وأداء الأمانة، ويمارس في الخفاء أبشع أنواع الرداءة والنكوص، ينظر عن وجوب التلاحم والتكاتف والتآخي بين أفراد الأسرة الواحدة، وفق أقوال حماسية وبراقة، متضمنة قصصا وقصائد وإيثاراً، لكنه ينسى التآخي والتلاحم ويصيبه الانفصام والتناقض، وتتلبسه الازدواجية في تطبيق هذا التنظير، ينظر عن التلاحم الاجتماعي، لكنه في الواقع وهو القادر لا يهتم بأرملة مسكينة ليس لها معيل أو معين، ولا بيتيم فقير، أو أسرة محتاجة، أو رجل مريض يسكن في إيجار، ويعاني من الديون المتراكمة، والأمراض المزمنة، ومتطلبات الحياة اليومية، يدعو في المجالس وينظر لأشياء جميلة وراقية، لكنه لا يتعايش معها ولا يتفاعل، لأنه في قرارة نفسه الأنانية يرفض ذلك مطلقًا ويمقته، ينظر عن حقوق الجار، ووجوب زيارته وتفقده ووصله، ويأتي بالأدلة القرآنية الكريمة، والأحاديث الشريفة، التي توصي بذلك وتدعو له، لكنه لا يهتم بأقرب أقربائه، وهو معهم في حرب ضروس، ينظر للعمل والإنتاج والابتكار ووجوب ترقية الذات، لكنه كسول يدور في حلقة مفرغة، كثرة التنظير خلق من البعض حالة مغايرة، مصابة بالذاتية والنرجية، تقول ولا تطبق ما تقول.