بعد بدء الأحداث في سوريا عام 2011م توقع الكثيرون سقوط نظام بشار الأسد خلال أسابيع خاصة مع خروج عشرات الآلاف من السوريين في مناطق مختلفة بالبلاد مطالبين برحيل النظام، إلا أن النظام واجه ذلك بارتكاب جرائم ومجازر وباستخدام أسلحة محرمة دولياً كالأسلحة الكيمائية، حيث قدر عدد الضحايا المدنيين بمئات الآلاف عدا الإصابات ونزوح ملايين السوريين داخل البلاد ولجوئهم لدول العالم المختلفة (يقدر العدد بـ13 مليون)، ورغم الإدانات والعقوبات الدولية تمكن النظام من الاستمرار واستعادة حيز كبير من الأراضي التي سبق وأن تمكنت المعارضة من تحريرها.
أرجع عدد كبير من المحللين السياسيين لاحقاً بقاء النظام خلال الأعوام الـ13 لعدة عوامل منها تماسك النظام، والولاء الطائفي، وتماسك وسيطرة المؤسسة العسكرية والأمنية، وانقسام المعارضة والدعم الخارجي القوي العسكري متمثلاً في إيران والجماعات الموالية لها ولاحقاً روسيا ولكن اختلفت الرؤى حيال أسباب السقوط المفاجئ للنظام، بعد يأس الكثيرين من إمكانية سقوطه.
تناول ابن خلدون في مقدمته مراحل تطور الدولة وهي باختصار مرحلة الظهور ومرحلة التوسع والاستقرار ومرحلة القمة ومرحلة الضعف والانحدار ومرحلة السقوط، وهناك تماه في كثير من الحالات بين الدول والأنظمة.
وفي إسقاط تلك المراحل على الفترة الزمنية للنظام الأسدي (الأب والابن ) يمكن تلمس مرحلة القمة في السنوات الأخيرة من حكم حافظ الأسد وبداية حكم ابنه بشار الأسد، حيث بدأ حافظ الأسد بإحكام قبضته على البلاد في ثمانينيات القرن الماضي بعد قمع الثورة عليه في العام 1982 وارتكابه مجزرة في مدينة حماة قدر ضحاياها بعشرات الآلاف من المدنيين، وبعد نفيه شقيقه رفعت الأسد إلى الخارج وحل سرايا الدفاع (الجهاز العسكري الذي كان يرأسه شقيقه) وتوحيده الطائفة العلوية والمؤسسة العسكرية تحت سلطته ليرتب مسألة الخلافة لاحقاً لابنه باسل ومن ثم لبشار بعد وفاة باسل في حادث تدور حوله الشكوك.
وقد رتب حافظ لولده بشار تسلم السلطة حال وفاته وهو الأمر الذي تم في شهر يونيو عام 2000م حيث قام بشار بالإجراءات المخطط لها من الاجتماع بالقادة العسكريين والحصول على دعمهم المطلق وتعديل الدستور بشكل عاجل ليتولى رئاسة الجمهورية في انتخابات صورية.
ورغم وعود بشار أمام البرلمان السوري في أول خطاب له بتحسين أوضاع البلاد، إلا أنه تراجع عن هذا المسار، وقمع حركة المعارضة السياسية والتي عرفت بربيع دمشق والتي كانت توجه نداءات لتحسين واقع البلاد وزج بأعضائها بالسجن ومنهم نائب البرلمان رياض سيف، ونائب البرلمان مأمون الحمصي وعارف دليلة الدكتور في جامعة دمشق الذي أمضى السنوات الاخيرة من حكم الأسد الأب في توجيه انتقادات للأداء الحكومي طوال تسعينات القرن الماضي وغيرهم، فضلاً عن القتلى.
لتبدأ الثورة الشعبية على النظام في العام 2011م والتي لم تؤد لسقوط النظام إلا مع نهاية العام 2024م حين تبدلت الظروف الإقليمية والدولية ومنها توقف الدعم العسكري الروسي بسبب الانشغال بالحرب الروسية الاوكرانية وضعف الدعم العسكري الإيراني والميلشيات التابعة له (من لبنان والعراق وأفغانستان..) بعد الهجوم الإسرائيلي على لبنان وتصفية عدد كبير من قيادات حزب الله، وبعد تهرب بشار من أي خطوات اصلاحية حقيقية رغم المطالبات الشعبية المستمرة بذلك، وعدم تعاونه مع المبادرات الدولية بهذا الخصوص.
ومما لاشك فيه أن قمع النظام للمطالبات الإصلاحية الشعبية لمختلف الطوائف لحكم حافظ الأسد، ولاحقاً ابنه حتى العام 2024م، وارتكابه المجازر والجرائم، وعدم قدرته على مواجهة العقوبات الاقتصادية على سوريا وتوقف الدعم العسكري الخارجي فقد انهار النظام، انهار بسرعة وخلال أيام معدودة.
** **
- جمال محمد حسن المدني