ناصر بن محمد الحميدي
إذا كانت الأوطان تُبنى على سواعد أبنائها، فإن نهضتها لا تتحقق إلا حين يوضع الأمر في أيدي من يستحقه، أولئك الذين يمتلكون الحكمة والخبرة، والرؤية والإرادة. لقد استقبلت العاصمة الرياض نتائج انتخابات غرفة الرياض بكثيرٍ من التفاؤل والغبطة، إذ حملت معها بشائر إيجابية تُبشّر بمستقبل أكثر إشراقًا لمختلف القطاعات، التي خاض ممثلوها سباق الترشح الصادق والمنافسة الشريفة، فاختارتهم الأصوات المخلصة، والرؤية الحكيمة، والتصويت الواعي.
ما من اقتصادٍ قوي إلا وكان قائمًا على «الشرعية التي تُعبّر عن رغبة المجتمع في اختيار من يقود مسيرته التجارية والاقتصادية، ويمثل مصالحه بحكمةٍ وتدبير. والحق أن النتائج لم تكن وليدة النزعة العاطفية، ولا المجاملات العابرة، وإنما كانت إفرازًا طبيعيًا لـ «رأس المال الاجتماعي» الذي يتأسس على الثقة المتبادلة بين الناخب والمُنتخب، بين التاجر والمستثمر، بين الرؤية والمشروع...
لقد جاءت الانتخابات لتؤكد أن «الحوكمة الاقتصادية» ممارسةٌ تُطبَّق وليست شعاراتٍ تُرفع، وأن «التمثيل التجاري استحقاقٌ تُحدده الكفاءة والتجربة، لا الألقاب والمناصب، وليس حكرًا على أسماءٍ دون غيرها.
وقد لا يكون مفاجئًا أن يتولى أبناء #الزلفي رئاسة لجنتين من أهم اللجان الاقتصادية في الغرفة، وهما قطاع السياحة والترفيه والفعاليات، وقطاع التعليم. فالنجاح في هذا السباق لم يكن ضربًا من الحظ العابر، ولا نتيجةً لمحاباة أو انحياز، وإنما كان ثمرة «التراكم المهني حيث إن «الخبرة الريادية حصيلة أعوامٍ من التجربة، ومحطاتٍ من الإنجاز، وسنواتٍ من العطاء.
فها هو الأستاذ فالح بن عبدالله الفالح، رجل الأعمال المتمرس في «صناعة الضيافة، يقف اليوم في مقدمة قطاع السياحة، يستند إلى أكثر من عقدٍ ونصف من الخبرة، وهو الذي أدار فنادق ومنتجعات «إينالا»، فأضحت أنموذجًا يُحتذى في التميز والإبداع.
وفي قطاع التعليم، يبرز اسم الأستاذ عبدالعزيز بن فوزان الفهد، سليل بيتٍ عريق في التربية والمعرفة، لم يكن طارئًا على هذا المجال، ولا غريبًا على هذا الميدان، حيث انخرط في إدارة المؤسسات التعليمية منذ وقتٍ مبكر، فأصبحت مدارس «المنهل» و»الحرمين» تحت قيادته أنموذجًا للنجاح، وشاهدًا على ما يمكن للإدارة الواعية أن تصنعه من أثرٍ عميق في مسيرة التعليم.
أما غرفة الرياض، فقد أثبتت مجددًا أنها مؤسسةٍ إدارية، وكيانٍ اقتصادي، وأنموذجٌ حيٌّ لما تعنيه الشفافية التنظيمية والحوكمة الفاعلة»، فقد أدارت هذه الانتخابات بأعلى درجات الاحترافية، معلنةً النتائج بكل وضوح، ومستكملةً كافة مقومات النزاهة والعدالة، ومؤكدةً أن المرحلة المقبلة مرحلة عملٍ ميداني، يُترجم الطموحات إلى إنجازات، ويجعل المستهدفات حقائق ملموسة.
إن ما نشهده اليوم دورة إدارية تُضاف إلى سجلات الغرفة التجارية، وتحولٌ اقتصاديٌ يعكس روح رؤية السعودية 2030، حيث يُصبح التكامل بين القطاعات حقيقةً متأصلة، والشراكة بين القطاعين العام والخاص واقعًا ملموساً، وتتحول الأفكار إلى قرارات، والطموحات إلى مشاريع، والمشاريع إلى إنجازات.
فليس المهم أن يكون لدينا انتخابات فحسب، لكن الأهم أن تُفرز هذه الانتخابات قادةً قادرين على النهوض بالقطاعات التي يمثلونها، وأن يكون لديهم من الرؤية والقدرة ما يجعلهم أهلًا للثقة التي مُنحت لهم.
نرى أمامنا مشهدًا اقتصاديًا يتشكل، ومرحلةً جديدة تتبلور، ورجال أعمالٍ يُمسكون بزمام القيادة، وهم يدركون أن القيادة الاقتصادية مسؤولية، وأن الثقة التي وُضعت فيهم، هي وقودهم للسير بهذه القطاعات نحو مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة.