فضل بن سعد البوعينين
ثقة العالم بالمملكة وقيادتها، جعل منها وسيطا محايدا في الأزمات العالمية. لم يكن تحول المملكة كمنصة للحوار العالمي، وليدا للمصادفة، بل جاء لاعتبارات مختلفة ومنها حكمة قيادتها، وعلاقاتها المتميزة مع زعماء العالم، وأهمية المملكة الإقليمية والعالمية، وحياديتها في القضايا الدولية، واعتمادها منهج الحوار والحلول الدبلوماسية والتعاون لمعالجة مختلف الأزمات تعزيزا للسلام والاستقرار الدوليين.
برز في الأعوام الماضية، سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بعلاقاته المتميزة مع زعماء العالم، ورؤيته الاقتصادية والتنموية التي تركز على الأمن والسلام الدوليين، كقاعدة لتنفيذ برامج الرؤية الطموحة. رؤية إنسانية تنموية تتخذ من الأمن والسلام قاعدة لها، بدلا من النزاعات المدمرة التي تسببت بكثير من المآسي لدول المنطقة والعالم أجمع. رؤية شمولية لا تتوقف عند حدود المملكة، بل تتجاوزها إلى دول المنطقة، وشركائها الدوليين، وبما يسهم في تحقيق تنمية شاملة تنعكس إيجابا على الأمن والاستقرار وتحقق في الوقت عينه مزيدا من الازدهار لشعوب المنطقة والعالم.
يمكن للمراقب مشاهدة قادة الدول الذين تستضيفهم المملكة، لمناقشة الصراعات والأزمات الطارئة، بغية الوصول إلى حلول توفيقية تسهم في إنهاء النزاعات، وإنقاذ الشعوب من أزمات إنسانية خانقة، وإنقاذ الاقتصاد العالمي من تداعيات خطيرة لنزاعات قد تبدو محدودة في بداياتها، غير أنها لا تلبث أن تتضخم وتجر العالم إلى أزمات أمنية واقتصادية وإنسانية.
عكست جهود المملكة في فلسطين، السودان، سوريا ولبنان، وغيرها الجانب المضيء لتحركاتها الدولية لنزع فتيل الأزمات، وحرصها على حماية الشعوب من تداعيات الحروب والنزاعات المدمرة. لم تقتصر جهودها على القضايا العربية، بل تجاوزتها إلى القضايا الدولية الحساسة. استضافت المملكة، خلال الأسبوع الماضي، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي إلتقى سمو ولي العهد، للحديث عن تطورات الأزمة، وتحقيق سلام دائم وعادل في أوكرانيا.
لقاء ضمن لقاءات سابقة، واجتماعات للجان المتخصصة، تستهدف إيقاف الحرب وإيجاد حلول دبلوماسية دائمة. وبالرغم من ارتباط اللقاء بمباحثات السلام، وسبل معالجة الأزمة، إلا أنه لم يخل من مناقشة العلاقات الاقتصادية، تعزيزا للتعاون الاقتصادي بين البلدين، ولا سيما في مجالات الطاقة والبنية التحتية والاستثمارات المشتركة. للملف الاقتصادي أهمية قصوى لدى الدول المنهكة من تداعيات الحرب، فمرحلة ما بعد السلام لا تقل أهمية عن تحقيق السلام نفسه، فمن خلالها يمكن إعادة الإعمار، ودفع عجلة الاقتصاد للدوران من جديد، وإحياء الأمل بمستقبل أكثر ازدهارا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إتصل هاتفيا بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لمناقشة تطورات الأزمة الأوكرانية وسبل التوصل إلى تسوية سلمية. وأعرب عن تقديره للدور الذي تلعبه المملكة في الوساطة، واللقاءات التي جرت بين مسؤولين روس وأمريكيين. تعزيز التعاون «في إطار اتفاقيات «أوبك +» لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة. كان ضمن المباحثات الثنائية، ما يؤكد أن جزرة الاقتصاد، بقطاعاته المختلفة، من محفزات السلام الذي يبحث عنه الجميع. الإشادة بالدور المهم الذي يضطلع به سمو ولي العهد جاءت أيضا من الرئيس الأمريكي، والأوكراني. أجمع أطراف الأزمة الثلاثة، وخلفهم الاتحاد الأوروبي على الإشادة المستحقة لسمو ولي العهد، لجهوده الاستثنائية في معالجة الأزمة، وفكرة التنموي المعزز للعلاقات والشراكات الاقتصادية، وجهود المملكة الدائمة في تعزيز الأمن والاستقرار، والسلام العالمي.
تستثمر المملكة قوتها الاقتصادية، وملاءتها المالية لتحقيق مستهدفات الرؤية، وعقد شراكات دولية مع جميع الدول، لتحقيق التوازن الاستثماري والتنموي، وتنطلق من تلك الأهداف الوطنية إلى أهداف أخرى ترتكز على تحقيق الأمن والسلم الدوليين، القاعدة المحفزة للازدهار الاقتصادي، والحاضنة لمشروعات التنمية واستدامتها. فعلاقات المملكة التجارية والاقتصادية، وشراكاتها الاستثمارية، من أدوات التأثير الإيجابي في مباحثات السلام، ومن خلالها بنت الموثوقية التي تتمتع بها، وتتصف بها قيادتها، وكسبت بها احترام الدول، وثقتهم بحياديتها وحرصها على العمل من أجل تحقيق السلام، وتقريب وجهات النظر، وتعزيز الحلول الدبلوماسية، وبما يسهم في معالجة الأزمات.
ينظر البعض إلى الاستثمارات السعودية الموجهة على أنها جزء من الحوافز المالية للدول الحاضنة لها، والحقيقة أنها تشكل قاعدة التنوع الاستثماري السعودي، والمحقق لمستهدفات رؤية 2030 ذات البعد التنموي القائم على تحقيق التنوع الاقتصادي وبناء المستقبل وتحقيق الاستدامة المالية. استثمار تلك المستهدفات في تحقيق أهداف موازية تصب في مصلحة المملكة والمنطقة ودول العالم، أمر مشروع، فالأمن والسلام يجب أن تكون لهما الأولوية لأهميتهما في حماية الاستثمارات ومشروعات التنمية. نجاح الشراكات واستدامتها، يعتمد في أساسياته على تحقيق المصالح المتبادلة، لا الأحادية، وهو ما تنطلق من خلاله المملكة لتشكيل قاعدة التفاهامات الدولية، والشراكات النوعية، وتعزيز ثقة العالم بها، كمنصة حاضنة لمحادثات السلام، ووسيط محايد يتمتع بالموثوقية والكفاءة والقيادة الحكيمة المؤمنة بالحلول الدبلوماسية في معالجة الأزمات، وكشريك تجاري، اقتصادي، واستثماري يسهم في تعزيز التنمية الشاملة ونمو الاقتصاد.