شيخ عماد الدين
في كتلة متفتقة انبثقت عنها السماوات والأرض، وانفجرت منها الأفضية اللامتناهية منذ بداية الكون، وسابحةً على أوتار خفية تسير الأجرام السماوية والدنيوية. رغم عظمتها وتنوعها، فإنها فائضة من مجرد ماء مهين وذرات دقيقة وجسيمات صغرى تشبه حبة الرمل، بل أصغر منها. وفي أعماق هذه الأكوان، يوجد نفق داكن ينحني فيه الضوء بفعل قوة جاذبيته الهائلة، ينحبس فيه الزمن، فيصبح غير خطي. وإذا تدحرج فيه شيء، فإنه يتحرك بسرعة الضوء، قاطعًا امتداد القمر من الأرض في غمضة عين. أما في أبعادنا، حيث نعيش في إطار زمني خطي، يحيطنا هذا الزمن كما لو كان سرابًا متشكلًا في رؤيتنا الإنسانية لتغيرات الحوادث. إنه مفهوم نسبي يتغير ويتباطأ وفقًا لقوة الجاذبية وحركة الأشياء في أفلاكها. الزمن في أبعاد أخرى، كما تذكر بعض النظريات الفيزيائية، يمكن أن يكون مختلفًا، مما يتيح إمكانية السفر عبره دون الخشية من فواته أو انقضائه.
وقد عرضت هذه النظريات أمام الجمهور مؤخرًا بأسلوب علمي مبهر عبر المسرح والسينما والوثائقيات الفيزيائية. ومع ذلك، ما أعجب تلك العقول التي تنكر القدرة الإلهية بعد كل هذا، وتستخف بمثل هذه الظواهر العلمية الحقيقية، فقط لأنها ذكرت في الكتب السماوية المقدسة التي يعتبرها البعض مصدرًا للأساطير والخرافات!
إن القرآن الكريم والسنة النبوية ذكرا الكثير من الحقائق الكونية قبل أكثر من ألف سنة، بل ذكر أحداثًا لم تصل إليها العقول الإنسانية بعد، لكنها بلا شك حقيقة. مثلًا، قصة أهل الكهف الذين حُفظوا بعناية إلهية عن الأبصار لعقود من الزمن، لم يتغير شيء من هيئاتهم أو جوهرهم خلالها. وقد تباطأ الزمن بشكل هائل في مكانهم بفعل الجاذبية والسرعة الثابتة: «ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال». مكانهم كان بعدًا متواريًا عن العيون، محميًا من تأثير ضوء الشمس وجاذبيتها: «وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال». منظرهم كان مرعبًا لمن يطلع عليهم: «لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا».
ومثلها قصة يأجوج ومأجوج، التي تشير إلى آيات كونية أخرى لا زالت عقولنا عاجزة عن فهمها تمامًا.
ما أعجب أن تكشف النظريات العلمية عظمة الخالق! فالعلم، الذي يظنه البعض مناقضًا للإيمان، لا يعدو كونه بوابة لفهم قدرة الله المطلقة. الزمن، الذي نراه خطيًا، يحمل في طياته أبعادًا مبهرة تظهر لنا عظمة الخالق. يقول الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ). (فصلت: 53).
يبقى الكون شاهدًا على عظمة الخالق، وتظل الآيات الكونية مفتوحة لكل من تأمل وتدبر.
** **
- باحث في قسم اللغة العربية جامعة عالية، كولكاتا، الهند