د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
الآثار والتراث الوطني بأشكاله المدهشة التي تسرد مراحل التمدن الذي مر بالبيئات السعودية وتشرق فيها ثقافة البلاد العريقة، ويُسْتنطق الماضي كامتداد ذي علائق متينة تحتفي بالولاء للمكان وأهله؛ وعادة ما تحتضن الآثار تاريخا ثريا تضرب جذوره في أعماق الماضي فتكون في الحاضر تجارب مشاهدة تلامس أعماقنا، وعند الشعوب المتفوقة -ونحن منهم- يؤطر التراث والآثار لصناعة المستقبل الجميل بإذن الله.
إن هذه المنظومة من التراث والآثار الأصيلة في بلادنا تبني جسورا بيننا وبين أماكن تنزوي في الذاكرة وتقع في شغاف الوجدان؛ هكذا نشعر عندما نواجه مرآيا النفس أو عيون من ينتمون لتليد المكان الذي عشنا فيه أحقابا؛ والحقيقة الماثلة أن التراث وما تكتنزه الأماكن في بلادنا من آثار تحتاج إلى بشارات ليس لإبراز تلك الآثار والتراث ومقتنياته؛ لأنها حاضرة جاذبة تحاكي مشاهديها؛ إنما ليعلن عن المكتشفات الجديدة من كنوز التراث الوطني، والآثار الملأى، والحضور الجديد لآثارنا على أرضها، ولينتشر نبض الماضي ليصل وجيبه للحاضر ويحفز لحضور المستقبل، وكما نعلم فإن بلادنا وتراثها بدا مهيبا في محطات عالمية ونالت كثيرا من كنوزه تسجيلا ضمن التراث العالمي في «اليونسكو» فانبهروا حين شاهدوا ابن الشمس وربيب الصحراء وقد أورقت الرمال بين يديه، وتبلورتْ إلى منصات تنمية نامية مزدهرة؛ فأضحتْ الآثار السعودية وتراثها من القوى الناعمة لبلادنا المضيئة، واليوم تحط روائع آثار بلادنا بكل تجلياتها ومكوناتها في منظومتنا الحضارية الجديدة تعانق منجزنا كله منطلقين من جماليات الماضي العريق الذي يتوسط منائر التاريخ السعودي العريق.
ومنذ الأزل وهذه الآثار وذلك التراث الذي اعتصرته قوة الإنسان في ماضيه على مدارج وطنه؛ وهي تنشد مسترادا ينمو معه الشغف الوطني، ويكون لغيرهم سفارات أخرى تنبيء عن إرث معنوي يعد مؤشرا عاليا على حضارة البلاد وفكرها وتاريخها ونواتجه في زمانه ومكانه، وأحسب الآثار مصدرا ملهما من ممكنات المثاقفة المنشودة عندما تكون حاضنة نشطة ما فتئت تبني استراتيجياتها على اليقين بامتلاءات المواقع السعودية في بلادنا بالآثار المشهودة والتراث الوفير الأثير، وانبرتْ تخطو في مجال الاكتشافات خطوات تثق في النواتج الغزيرة؛ وكما تقاسمت آثار بلادنا وتراثها مع ثقافات العالم وآثارهم منصات عالمية كثيرة حينما أعلنت منظمة اليونسكو رسميا حيازة متكآت عالمية لبعض الأماكن الأثرية والفنون التراثية في بلادنا، وما زلنا نتطلع إلى التعددية في صناعة إعلام خاص للتراث وتخصيصه ليأخذ شكلا آخر، بمعنى أن يُشْرَع في تأطير الإعلام التراثي ونقيم له قنواته التنفيذية وأولها القناة التلفزيونية المختصة بالآثار، كما يستلزم واقعنا وتحقيقا لما هدف إليه برنامج خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري وللوصول إلى أحد الأهداف المهمة في صياغات الرؤية الوطنية 2030 وهي تنشيط السياحة الوطنية والتي لن تكون بدون أن يستولد الحضور الكامل للآثار الوطنية والتراث الوطني جميعه في كل رقعة انغرس في تاريخها وحتى لا تكون التربية المتحفية والآثار الوطنية في ذيل المعارف التعليمية لابد أن يكون لكل وزن في الآثار أوزانه الملأى في المناهج الدراسية ولعل المركز الوطني للمناهج المشكل حديثا بقرار سامٍ كريم يحتضن ذلك ويؤطر له ضمن استراتيجيته التي نستشرف حضورها الوارف بإذن الله.