د. ناهد باشطح
فاصلة:
«حيث يُكثر الكلام، لا مجال للفهم، حيث لا توجد مساحات، لا مجال للتحرك، لا مجال للتأثر حتى النخاع بشعور أن الحب والأمل لا يزالان ممكنين».
**
- بيتر هلملان -
***
في اللحظة التي تبدأ فيها قرارك بالصمت والصيام عن الكلام لفترة محدودة، بعد أن أخبرت من حولك بنيتك لممارسة الصمت، تبدأ آلاف الأفكار تنهال على رأسك دون توقف وتبدأ الذكريات وكأنها إعصار يلف برأسك ثم بعد ذلك يرتاح العقل إلى فكرة الهدوء والسكينة، قرأت كثيراً عن الصوم عن الكلام في كل الديانات السماوية ونعرف جميعنا صوم زكريا عليه السلام ومريم العذراء والحكمة في أمر الله لهما بالصوم عن الكلام وما تجلى لزكريا بعد ذلك حين زرقه الله بيحيى عليه السلام.
لكن اعتقادنا أن الصوم عن الكلام مخصص للأنبياء هو من عطّل لدينا تجربة هذا النوع من التدرب على السكون، نعم السكون وسط ضوضاء مواقع التواصل الاجتماعي، فالتلوث الضوضائي ليس بالضرورة أصوات عالية بل يمكن أن يكون أفكاراً كثيرة متضاربة كالتي نتلقاها باستمرار وعلى مدار ساعات يومنا من مواقع التواصل الاجتماعي.
ولذلك يمكن أن تسهم هذه الضوضاء في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية واضطرابات النوم، كما أنها تحفز إفراز هرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزول، مما يُسبب اضطرابات في الجسم.
وحين بحثت عن فوائد الصمت وجدت أن علماء الأعصاب اكتشفوا أن لحظات الصمت الهادئ تساعد على خفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ومستويات هرمون التوتر، وأظهرت دراسة نُشرت عام 2013 في مجلة «بنية الدماغ ووظيفته» أن الفئران البالغة التي تعرضت لساعتين من الصمت يوميًا طوّرت خلايا جديدة في الحُصين، وهي المنطقة الدماغية المسؤولة عن الحفظ. لم يلحظ الباحثون نمو هذه الخلايا العصبية لدى القوارض المعرضة للضوضاء.
لم يكن جسمي بحاجة إلى الصمت مثلما كانت روحي بحاجة إلى السلام والسكينة.
لذلك قررت أن ابتعد تماما عن جهاز الجوال والتلفاز وعن التواصل مع البشر لثلاثة أيام متتابعة.
الذي خبرته في هذه التجربة أن الصوم عن الكلام وعن التواصل مع البشر له فوائد عظيمة، تشعر بأن تركيزك أقوى وأن الوقت مبارك لإنجاز الكثير وأن جهاز الجوال وبرامج التواصل الاجتماعي تسرق عمرك، وتجعلك في ترقب مستمر للأحداث وردود الأفعال.
لقد شعرت بمعنى أن يكون إيقاع روحك ساكناً هادئاً لا يلهث، وحين تصمت تشعر بأن هناك الكثير من الوقت الذي تقضيه مع الله، تحدثه وتسأله عما فيه تحتار وتطلب منه فيجيبك {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}.
الصمت والصيام عن الكلام هو التصالح مع صوتنا الداخلي، هو التعرف على أفكارنا ومشاعرنا... هو أن تسامح الجميع... الجميع بلا استثناء لأنك في حضرة السلام.
***
المصادر:
-Speech fasting: Heres why periods of silence are good for us, Malaymail,2024.