خالد محمد الدوس
المدرسة تعد ثاني مؤسسة اجتماعية بعد النسق الأسري من حيث أهميتها البنائية والوظيفية، ومكانتها في التأثير على سلوك الطفل ورعايته وصقل شخصيته وتنمية مهارته ومواهبه، وتزويده بالمعلومات والمعارف وتعزيز قيمه التربوية، وكما هو معروف فإن المدرسة بيئة اجتماعية مليئة بالانفعالات والمثيرات والضغوط والتفاعلات الاجتماعية، ومن خلال هذه العمليات قد يتعرض الطلبة لبعض الصعوبات والمشكلات المدرسية التي ربما تؤثر على تفاعلهم وقدرتهم على التكيف السليم داخل المناخ التعليمي، وبالتالي تظهر بعض (السلوكيات اللاتكيفية الشاذة) التي قد تعرقل سير العملية التعليمية، وتقف عائقاً في تحقيق أهدافها التربوية وغاياتها السامية، ولعل من أهم الظواهر السلبية التي تحدث في البيئة التعليمية، وتهدد نظامها التربوي.. ما يسمى (بالتنمر المدرسي).. وهذا المفهوم الذي يعرفه علم الاجتماع المدرسي (بأنه مجموع السلوك غير المقبول اجتماعياً بحيث يؤثر على النظام العام للمدرسة، ويؤدي إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بالتحصيل الدراسي).. وللتنمر أو العنف المدرسي مظاهر.. ومنها (التنمر البدني) كالإيذاء الجسدي، والشجار والمنازعات والخصام بين التلاميذ، و(التنمر المادي) مثل التخريب داخل المدرسة، والكتابة على الجدران، والعبث بممتلكات المدرسة، و(التنمر الرمزي) كالسخرية والاستهزاء والاحتقار، و(التنمر اللفظي) كالسب والشتم وإطلاق الألقاب المخلة بالأدب وكرامة الإنسان. وتعد هذه الظاهرة المرضية موجودة في كل المجتمعات الإنسانية غير أنها تختلف في معدلاتها ونسبها من مجتمع لآخر..!! ومجتمعنا السعودي من المجتمعات الإنسانية التي تعاني من وجود هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة داخل المناخ التعليمي، والتنمر المدرسي ومظاهره (البدني واللفظي والرمزي والمادي).. ناتج عن وجود خلل في مراقبة الأبناء ورعايتهم وحسن تربيتهم وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة، بالإضافة إلى تدهور الأساليب التربوية المدرسية وتنشئتها الخاطئة في معظم الأحيان، والتعامل بالقسوة داخل البيئة المدرسية، والتفرقة في المعاملة بين الأبناء داخل النسيج الأسري.. قد تخرج أجيالاً معادية للمجتمع ومتمردة على قيمه ومعاييره الاجتماعية الأصيلة، أو كما يسميها علماء الاجتماع (الانومي)، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والخصائص النفسية والعقلية والاجتماعية التي ربما تقود إلى انتشار فيروسات التنمر المدرسي، ويمكنتفسير هذا السلوك الانحرافي من منظور «علم النفس الاجتماعي» بأنه ناتج مع خلل وظيفي في التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية والثقافية أفرزت -كيميائياً- مثل هذه التصرفات المناهضة، والممارسات الخاطئة، والسلوكيات العدائية، وبالتالي قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بأحد العناصر المدرسية الرئيسة (الطالب- المعلم- الممتلكات المدرسية).. والأكيد أن ارتفاع معدلات هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة تشكل معوقاً للعملية التربوية التعليمية، وهدماً للقيم الأخلاقية.. وبالتالي خطراً يهدد البيئة المدرسية ويعوقها من القيام بأدوارها التعليمية والتربوية والثقافية.. ولخطورة التنمر المدرسي على البناء السلوكي وضعته منظمة اليونسيف ضمن أولويات أعمالها!
وفي هذا السياق تؤكد نظرية التعلم الاجتماعية (النمذجة) على أن التنمر ومظاهره.. سلوك ليس فطريًا بل «يكتسبه» الفرد ويتعلمه من خلال الملاحظة والنمذجة أو التقليد.. فالسلوكيات التي يتعلمها الفرد من خلال ملاحظته للآخرين وتقليده لهم.. ومشاهدة النماذج العدوانية لها أثر بالغ في تعلم الفرد السلوك العدواني واكتسابه، كما أن الأسرة تعد من المصادر الرئيسة لظاهرة التنمر المدرسي، خاصة إذا كان يسودها سلوك العنف والفوضى وعدم الاستقرار العاطفي والنفسي والعادات السيئة الأخرى سواء بين الزوجين أو بينهما وبين أبنائهما أو أسرة مفككة، بالإضافة إلى عدم (وعي) الأسرة بأهمية عملية التربية والتعليم، كما من أسباب ظهور التنمر في البيئة المدرسية (المعلم) نفسه فهو من مصادره في بعض الحالات حيث إن القصور التربوي والعلمي الذي يظهر به المعلم في معظم الأوقات.. يشكل دافعاً لبعض الطلاب غير المنضبطين نحو إثارة الشغب والفوضى والتمرد على أنظمة المدرسة لملء وقت الدرس الذي يصبح مملاً إلى درجة يفضلون فيها ممارسة الشغب والعنف فيما بينهم.. على الاستماع أو الإصغاء للمعلم وفهم الدرس، خاصة إذا كان (ضعيف الشخصية)..! داخل الفصل وهنا تحدث الكارثة..!!
ولمكافحة آفة التنمر داخل البيئة المدرسية.. ينبغي تفعيل الحوار المدرسي فهو صمام أمان والطريق الصحيح للحد من انتشار هذه الوباء السلوكي داخل المدرسة، وكذلك نشر ثقافة التسامح والتصافح والتعايش ونبذ العنف ومظاهره من خلال النهوض بقالب الأنشطة الطلابية التوعوية والإذاعة المدرسية، وأيضاً من الحلول الناجعة إعداد الخطط التنويرية والبرامج التربوية التي تهدف إلى وقاية الطلاب والطالبات.. وتحصينهم من الوقوع بالمشكلات التربوية.. ومن بينها التعرض للإساءة والاستغلال والعنف. وأيضا العمل على رفع الكفاءة المؤسسية للمعلمين للتعامل مع الطلبة والحد من سلوك التنمر أو العنف في المدارس.. عبر إعداد الدورات التدريبية التربوية والندوات الثقافية، وعقد ورش عمل متخصصة.. تزود المعلمين بالمهارات والأساليب التربوية الحديثة (الوقائية والعلاجية) بما يساعد في ضبط التوازن التربوي داخل المناخ المدرسي.