الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أمر الله تعالى بخدمة الناس وقضاء حوائجهم، والمسارعة إلى فعل الخيرات ومساعدة الآخرين من أعظم القربات، وأفضل الطاعات. وحثت الشريعة الإسلامية على إغاثة الملهوف، وتقديم العون له، وإنقاذ النفس، خصوصاً في الأوقات العصيبة هو في الواقع إحسان للنفس.
«الجزيرة» التقت بعدد من أصحاب الرأي والمختصين ليتحدثوا عن رؤيتهم حول ترسيخ هذا المنهج الإسلامي النبيل في المجتمع، وأبواب الخير التي يمكن طرقها في هذا المجال.
بذل الأسباب
يقول الدكتور بدر بن محمد المعيقل عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الجوف سابقاً: لا شك أن بذل الأسباب في خدمة الناس وقضاء حوائجهم، من أعظم ما ندب الشرع إليه، وحث عليه، ولعل ما يجدر ذكره في مثل هذا المقام: قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين إذا جاءه طالب حاجة: (اشفعوا فلتؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما يشاء).
أي يقول للصحابة الكرام: ابذلوا السبب في قضاء حوائج إخوانكم من المسلمين، فإذا بذلتم السبب بإخلاص وبذل، فعلى الله تيسير الأمور، ومن بذل سبب قضاء حاجة أخيه، فهو مأجور قطعا، سواء انقضت هذه الحاجة أم لم تنقض.
خطوات عملية
وتؤكد الأستاذة الدكتورة هيفاء بنت عثمان فدا، عضو مجلس الجمعيات الأهلية بمنطقة مكة المكرمة، رئيسة مجلس إدارة جمعية يسر للتّنمية الأسرية بمكة المكرمة على أهمية خدمة الناس وقضاء حوائجهم بوصفها أحد أعظم القربات في الإسلام، ويمكن ترسيخ هذا المنهج النبيل في المجتمع من خلال عدة خطوات:
1 - التوعية المجتمعية: بإطلاق حملات توعوية؛ لتسليط الضوء على أهمية مساعدة الآخرين، وذكر الآيات والأحاديث التي تحث على ذلك.
2 - التطوع: وذلك عبر تشجيع الشباب على الانخراط في الأعمال التطوعية؛ مثل: توزيع الطعام أو تقديم المساعدة للمحتاجين، مما يعزز قيم التعاون والإيثار.
3 - تنظيم الفعاليات: وذلك بإقامة فعاليات خيرية؛ مثل: المعارض، والأسواق الخيرية، التي تدعم الأسر المحتاجة وتجمع التبرعات.
4 - الشراكات: عبر التعاون مع المؤسسات الخيرية والجهات الحكومية؛ لتوسيع نطاق المساعدات، وتحسين استجابتها للاحتياجات.
5 - التحفيز: وذلك بتقديم حوافز للمبادرات الفردية والجماعية التي تهدف إلى مساعدة الآخرين، مثل: تكريم المتطوعين.
6 - وسائل الإعلام: التي تؤدي دورًا حيويًا في التوعية وتعزيز قيم خدمة الآخرين؛ مثل: نشر الرسائل الإيجابية، والحملات التوعوية، والبرامج الحوارية، والتعاون مع الجهات الخيرية، واستخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر رسائل تحفيزية ودعوات للمشاركة في الأعمال الخيرية، مما يسهم في الوصول إلى جمهور واسع.
فمن خلال هذه الجهود، يمكننا فتح أبواب الخير في المجتمع وتعزيز قيم العطاء.
طرق أبواب الخير
وتضيف د. هيفاء فدا أن هناك العديد من أبواب الخير التي يمكن طرقها في مجال خدمة الآخرين ومساعدتهم؛ منها:
1 - التطوع و الانخراط في الأعمال التطوعية؛ مثل: تقديم المساعدة في دور الإيواء، ودور الأيتام، أو المراكز الصحية.
2 - الإغاثة وتقديم المساعدات العاجلة في حالات الكوارث، مثل: جمع التبرعات الغذائية أو تقديم المساعدات النقدية.
3 - التعليم وتنظيم ورش عمل ودروس مجانية لتعليم المهارات الأساسية، مثل: الحرف اليدوية أو اللغات.
4 - الدعم النفسي وتقديم المشورة للأشخاص الذين يمرون بظروف صعبة، سواء من خلال جلسات فردية أو جماعية.
5 - توزيع الطعام وإنشاء مبادرات لتوزيع وجبات غذائية على المحتاجين، خاصة خلال المناسبات أو الأعياد.
6 - جمع التبرعات وتنظيم فعاليات لجمع التبرعات لدعم المشاريع الخيرية، وفق الإجراءات الرسمية النظامية.
7 - زيارة المرضى وتقديم الدعم لهم في المستشفيات؛ من خلال الزيارات، وتقديم الهدايا أو الرسائل التشجيعية.
8 - مساعدة الأسر المحتاجة، وتقديم الدعم المالي أو العيني لهم الذين يعانون من ضغوط اقتصادية.
9 - تنظيم حملات توعوية؛ لرفع الوعي حول قضايا مجتمعية مثل: مكافحة الفقر أو العنف الأسري.
إنّنا من خلال هذه الأبواب، يمكننا تعزيز قيم التعاون والإيثار في المجتمع.
تزايد الوعي الصحي
وحث الدكتور طلال محمد أحمد أخصائي الجراحة العامة بالرياض على إيصال النفع للآخرين بقدر المستطاع لأنه منهج إسلامي نبيل، موجهاً رسالة لكل فرد بأن تعلم الإسعافات الأولية ليس رفاهية، بل ضرورة، وقد تجد نفسك يومًا أمام موقف يتطلب منك التدخل لإنقاذ حياة إنسان، سواء كان قريبًا أو غريبًا، وينبغي عدم التردد في استثمار الوقت لتعلم هذه المهارات؛ لأنها خطوة قد تكون الفاصل بين الحياة والموت، مهيباً بجميع أفراد المجتمع السعودي أن يسعوا إلى تعلم هذه المهارات الأساسية والمشاركة في بناء مجتمع صحي وآمن، يضع حياة الإنسان على رأس الأولويات.
ويؤكد د. طلال محمد أحمد أخصائي الجراحة العامة بالرياض أن الإسعافات الأولية تعتبر من أهم المهارات التي يجب أن يتقنها كل فرد في المجتمع، فهي لا تقتصر على المهنيين الصحيين فقط، بل هي مهارة أساسية لكل من يسعى إلى الحفاظ على حياة الآخرين والتدخل السريع في الأزمات الطارئة، وفي المملكة العربية السعودية، مع تزايد الوعي الصحي ورؤية 2030 التي تسعى إلى بناء مجتمع صحي وآمن، أصبحت أهمية تعلم الإسعافات الأولية أكثر إلحاحًا، خصوصًا في حالات توقف القلب أو الاختناق بالطعام، مشيراً إلى أنه عندما يتوقف قلب الشخص عن النبض، يصبح التدخل الفوري أمرًا حاسمًا، حيث تشير الدراسات إلى أن كل دقيقة تأخير في بدء الإنعاش القلبي الرئوي (CPR) تقلل من فرص نجاة المريض بنسبة 10 %، وهنا تظهر أهمية تعلم تقنيات الضغط على الصدر والإنعاش القلبي الرئوي باستخدام اليدين فقط، وهو إجراء يمكن لأي شخص تعلمه بسهولة، كما أن استخدام جهاز إزالة الرجفان الآلي(AED)، الذي يتوفر في العديد من الأماكن العامة في المملكة، يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في إنقاذ الأرواح.
واسترسل د. طلال أحمد في حديثه قائلاً: إن حالات الاختناق، خاصة أثناء تناول الطعام، تعد من الحوادث الشائعة التي قد تؤدي إلى الوفاة إذا لم يتم التعامل معها بسرعة، وهنا تأتي أهمية معرفة تقنية مناورة» هيمليك»(Heimlich maneuver) التي تساعد في إزالة الانسداد من مجرى الهواء، وتعلم هذه التقنية البسيطة يمكن أن ينقذ حياة طفل أو شخص بالغ يعاني من انسداد كامل في مجرى التنفس.
وأوضح أخصائي الجراحة العامة بالرياض أثر تعلم الإسعافات الأولية على المجتمع، وذلك وفق الآتي:
* تعزيز الثقة: يمنح تعلم الإسعافات الأولية الأفراد ثقة كبيرة في مواجهة الحالات الطارئة بدلاً من الوقوف عاجزين.
* تقليل الوفيات: التدخل السريع يمكن أن يقلل من معدلات الوفيات الناتجة عن توقف القلب أو الاختناق.
* تعزيز التعاون المجتمعي: نشر الوعي بالإسعافات الأولية يعزز من شعور المسؤولية تجاه الآخرين ويخلق بيئة آمنة.
وأشار إلى كيفية الارتقاء بمهارات الإسعافات الأولية في المملكة، وذلك من خلال تنظيم دورات تدريبية في المدارس والجامعات لتعليم أساسيات الإسعافات الأولية، وتوفير أجهــزة إزالة الرجفان الآلي في جميع الأماكن العامة والتــأكد من أن الجميع يعرف كيفية استخدامها، وإطلاق حملات توعوية عبر وسائل الإعلام لتعريف المجتمع بخطوات التصرف في حالات الطوارئ.