منصور ماجد الذيابي
كما أشرت في مقال سابق بعنوان «مخطط التهجير وازدواجية المعايير»، وكما نسبت مؤخراً وسائل إعلامية عن مصادر إعلامية مطلعة بقولها إن إسرائيل قررت فرض اجراءات التجويع بحق المدنيين في قطاع غزة، وكما نقلت هذه المصادر الإعلامية من مشاهد مؤلمة لتزاحم مجموعات من الأطفال وهم يبكون أمام مكاتب توزيع الغذاء أملا بأن يجدوا من يقدم لهم ما يسد رمقهم وينقذهم من شبح الموت جوعا بعد إغلاق الكيان الإسرائيلي كل المعابر والمنافذ البرية ومنع دخول شحنات المواد الغذائية والدوائية وكذلك منع إدخال الوقود المستخدم لتشغيل المستشفيات والمراكز الطبية إضافة لمساومة الفلسطينيين سابقا على إدخال الوقود إلى غزة مقابل إطلاق سراح أسرى صهاينة كما ذكرت في مقال بعنوان «الوقود مقابل اليهود».
واليوم، وبعد فرضه لسياسة التهويد من خلال بناء المزيد من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، تستخدم حكومة اليمين المتطرف في الكيان الإسرائيلي سياسة التجويع الرامية إلى تهجير سكان القطاع إلى دول أخرى بعد فشل حكومة الليكود بزعامة مجرم الحرب نتنياهو في تحقيق النصر على الأرض رغم مضي عام ونصف العام على ارتكاب المجازر بالقصف العشوائي على منازل المدنيين ما أسفر عن استشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، إذ لم يكتف زعيم عصابة المجرمين بكل هذا العدد من القتلى والمصابين، بحثا كما يزعم عن كل ما يسهم في توفير الأمن لإسرائيل كما أشرت في مقال سابق بعنوان «البحث عن الأمن بين أشلاء الأبرياء».
وأثناء تصريحاته التي أدلى بها مؤخراً قال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي أنه سيواصل الحرب والتدمير واحتلال المزيد من الأراضي في قطاع غزة لاستكمال ما وصفه بالنصر على قطاع صغير لا تتجاوز مساحته 360 كيلو متر مربع.
وهنا، ومن خلال هذا المنبر الصحفي أتساءل إن يكن بمقدور هذا السّفاح المجرم بعد فشله بإسقاط غزة عسكريا أن يحقق النصر ويجلب الأمن لليهود بفرضه لسياسة التجويع الرامية إلى خلق أزمة مجاعة شديدة يعتقد بأنها ستدفع السكان الأصليين باتجاه القبول بخيار الهجرة القسرية والخروج الاضطراري من وطنهم، وبالتالي تحقيق أهداف المشروع الاستعماري الإسرائيلي الأمريكي المشترك، أتساءل ان يكن بمقدوره كسر إرادة المجتمع الفلسطيني الصامد على أرضه والمناضل لاسترداد حقوقه وتقرير مصيره، والرافض لسياسة التهويد والتجويع والتهجير.
و رغم مبادرات وقف إطلاق النار، ورغم المبادرات المتعلقة بحل الدولتين، ورغم مرجعيات السلام وقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ورغم القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن إدانة بنيامين نتنياهو بجرائم حرب والطلب من الدول الأعضاء في المحكمة باعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، رغم كل هذه المبادرات والقرارات فإن هذا السفاح الجبان لا يزال مستمرا في جرائمه على مرأى ومسمع المجتمع الدولي في تحدّ سافر وانتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي وقانون حقوق الانسان وكل الأعراف الدولية.
والغريب أن هذا السفاح الجبان المتعطّش لسفك دماء الأطفال والنساء والاستمتاع بتجويعهم، والذي ما إن يسمع دوي صافرات الإنذار حتى يخرج من مكتبه مذعورا ومرعوبا باتجاه الملاجئ والأنفاق، الغريب أنه يجد في هذا العالم من يسانده ويدافع عنه ويدعمه بالمال والسلاح والعتاد أمثال الرئيس الأمريكي الأسبق جون بايدن والرئيس الحالي دونالد ترامب الذي كشف مؤخرا بعد فوزه بالانتخابات الأمريكية ودخوله البيت الأبيض عن خطة لتهجير أهل غزة وتحويلها إلى منتجع سياحي مطل على البحر الأبيض المتوسط، كما أوضحت في مقال بعنوان «مخطط التهجير وازدواجية المعايير».
بقي أن أشير إلى أنه ينبغي على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والمفوضية السامية لحقوق الانسان الالتزام بمسئولياتهم تجاه حماية المدنيين الأبرياء في كل الأراضي العربية المحتلة لا سيما حقوق الأطفال الجوعى والجرحى والمرضى، وكذلك ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف العربدة الإسرائيلية في قطاع غزة حيث تقصف المنازل والمدارس والمراكز الإيوائية والطبية والإغاثية.
كما يجب على مجلس الأمن الدولي اتخاذ كافة التدابير الممكنة للضغط على حكومة اليمين اليهودي المتطرف لأجل احترام القانون الإنساني الدولي الذي ينص على وجوب فتح المعابر والمنافذ لدخول المساعدات الإنسانية الاغاثية أثناء الحرب لإنقاذ البشرية من تفشي أزمة المجاعة وانتشار الأوبئة بسبب شح المواد الغذائية والدوائية وبسبب استهداف المراكز الطبية، ناهيك عن نفاد كل أشكال الامدادات الأساسية الأخرى التي تتعمد إسرائيل وقفها كليا عن سكان القطاع في ظل استئناف عملية التجويع الشاملة، بمعنى أن الحكومة الإسرائيلية تتعمد دفع السكان المحليين إلى الترحيل القسري أو انتظار الموت جوعا وعطشا بعد فشلها حتى اليوم في تحقيق النصر على أصحاب الأرض المناضلين من أجل الحرية والكرامة الإنسانية والاستقلال واسترداد الحقوق المسلوبة وتقرير المصير.
يقول الشاعر عمر أبو ريشة:
ربّ «وامعتصماه» انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم
أيها الجندي يا كبش الفداء
يا شعاع الأمل المبتسم
بورك الجرح الذي تحمله
شرفاً تحت ظلال العلم