على أن ثمّة ما يعدو تطابق خطابه الشعري والنثري إلى ما يتوارد في محاضرته عن مصادر - غير موثّقة لديه- من التفسير الاقتصادي للصراع الاجتماعي والقِيميّ. مصادر ذات نزوع مادي في فلسفتها، لا بدّ أنها قد سقطت إليه من قراءاته فيما عاصره من أطروحات. |
فالرجل قد ابتُعث إلى الهند، وأقام بمصر زمناً، وظلّ قارئاً في مصادر الثقافة وينابيع الفكر، ومن قراءاته مثلاً: (السياسة) لأرسطو طاليس، وقصة (ابن الطبيعة) لهاتزبياتشيف، و(تاييس) و(الزنبقة الحمراء) لأناتول فرانس، و(حديقة أو مائدة أبيقور) و(أناتول فرانس في مباذله) لشكيب أرسلان، و(أهوال الاستبداد) و(أنا كارينينا) لتلستوي(7). حتى لقد بدت محاضرته في بعض أجزائها -لدى قارئ متأمّل- كما لو كانت ترجمة، أو نقلاً، تلمح أبعاد ذلك في اللغة والصياغة والمصطلح والفكرة. كل ذلك قد أدّى به إلى الاعتقاد (أنه لم يَعُد لنا مَعْدًى عن الاعتراف بأن الفضائل، في مراميها الخفيّة، أنانية مهذّبة، ميزان الربح والخسارة فيها قائم منصوب)(8). |
ولا شكّ -في هذا السياق- أن أثر فلسفة الفيلسوف الألماني (نيتشه، فردريش Nietzsche، 1844- 1900) على محاضرة شحاتة غير خافٍ. تلك الفلسفة الذاهبة إلى ما تدعوه (إرادة القوّة) - ولنيتشه كتاب بهذا العنوان- وأن الحياة ليست إلا تَطَوُّراً في تَنَازُع البقاء، مصيره إلى الأصلح، وأن (الإنسان الأعلى) غايةٌ مُثلى يجب بلوغها. |
وإذا كان نيتشه من مؤسسي الجرمانية فلقد كان الدارس وهو يقرأ المحاضرة يتساءل عن نزعة شحاتة (الهتلريّة) أيضاً، فيعلّق ذلك التساؤل على بعض الصفحات(9)، حتى جاء (باخطمة، محمّد صالح)(10) ليؤكّد حقيقة ما كان ينمّ عنه خطاب شحاتة من ذلك النزوع، إذ ذكر أن شحاتة كان معجباً بأدولف هتلر، وأنه قد أصابه إحباطٌ بهزيمته. |
وبذا نقف لدى شحاتة على خطابين متعارضين؛ خطاب عربي صميم يرى (الرجولة عماد الخُلق الفاضل)، وخطاب مقابل غريب عن ثقافته، يبدو عن آثار ثقافيّة حديثة، كأن يقول: (ونزيد قولنا وضوحاً فنقول: إننا لا نرى معنى لنشوء الفضائل في الطور الأول من حياة الإنسان القديم)(11)، ذلك أنه بهذا يُلغي خاصيّة العقل الإنساني، المهيّأ فطريّاً للنظر والتمييز، ليتبنّى هنا ما يشبه رؤيّة نيتشية في نشوء الفضائل، كرؤيته شبه الداروينيّة في نشوء المجتمع البشريّ، وإلا فمصادره الثقافية، التي أَمْلَتْ عليه أن (الرجولة عماد الخُلُق الفاضل)، تقول قطعاً: إن الإنسان لم يكن حيواناً في يومٍ من الأيام، وأن الله علّم آدم الأسماء كلها من أول يوم، وأنه قد هداه النجدين. وذلك ما سنفصّل القول فيه في المساق المقبل إن شاء الله. |
*** |
إحالات |
(1) (1988)، ديوان حمزة شحاتة، (الطبعة الأولى:؟)، 55- 60. |
(2) م.ن.، 51- 52. وقد استوفى تحليل هذا الجانب من موقف شحاتة من المرأة (الغذامي، عبد الله، 1985)، الخطيئة والتكفير، (جُدّة: النادي الأدبي الثقافي)، 111- 000، بما يُشير إلى أن الأمر لديه يتجاوز الإرث الذكوريّ إلى عُقدة نفسية تضرب بأعماقها في اللاوعي الجمعي الإنساني. |
(3) شحاتة، حمزة، (1981)، الرجولة عماد الخُلق الفاضل، (جدة: تهامة)، 121. |
(4) م.ن.، 67. |
(5) (1960)، ديوان القُطامي، تح. إبراهيم السامرائي؛ أحمد مطلوب (بيروت: دار الثقافة)، 25. |
(6) ديوان حمزة شحاتة، 285- 286. |
(7) يُنظر: ضياء، عزيز، (1397هـ)، حمزة شحاتة: قمّة عُرفت ولم تُكتشف، (الرياض: دار الرفاعي)، سلسلة المكتبة الصغيرة برقم 21، عن: شحاتة، م.ن. - المقدمة، 13، 16- 20. |
(8) شحاتة، الرجولة عماد الخُلق الفاضل، 77. |
(9) كالصفحة 68. |
(10) في ورقته التي ألقاها في ندوة (قراءة النص)، (النادي الأدبي الثقافي بجُدَّة: عصر الثلاثاء 14-2- 1427هـ= 14-3-2006م)، بعنوان (الفارس غاب.. أحداث في حياة حمزة شحاتة). |
(11) شحاتة، الرجولة عماد الخُلق الفاضل، 38. |
|
aalfaify@hotmail.com |