أميرة الماء شعر الدكتور عبدالله الفيفي (*)
|
مَوْجٌ على مَوْجِ الهَوى يتكسرُ
ومدى يسافرُ في مداهُ ويبحرُ!
والبحرُ أيّامي، تخبُّ خيولها
أسفاً يروح، وبهجة تتمطرُ!
كلُّ الذين رأوكَ في حَدقِ الصُّوى
بَصُروا بعشقكَ، إنما لم يبصروا!
بَصُروا بأن أميرةَ الماء التي
وهبتكَ نوأكَ أمْرُها لا يُقْهَرَُ!
المغربُ الأقصى على أهدابها
شرقٌ، يزفُّ جناهُ طرفٌ أحورُ!
من صقرَ فوديها إلى عشبِ الفلا
خشفان، حفهما الفُتونُ الأكبرُ
وعلى نوارس ركبتها رفرفَتْ
أشواقُ أيامي، ومَارَ المرْمرُ!
ولها على أُفُقِ الزمانِ توقدٌ
ولها على أفقِ المكانِ تعثرُ
يتبدَّدُ التاريخُ في بيدائها
وإذا أرادتْ، فهو عبدٌ محضرُ!
أينعتُ من رغم الثرى بمفازتي،
هتفتْ به، فحواهُ فجرٌ أخضرُ!
لتلفهُ من دفئها بمطهَّمٍ
سعفُ الأصائلِ ساعداهُ وتبذُرُ
تسهو على ولهٍ مشاعلُ وجدها
الصوفيّ، أو يصحو الحضورُ المزهِرُ
عرف انهمارَ الدهرِ من أعطافها
فسقتهُ، لا يَصْحُو ولا هو يسكرُ!
يا أيها الأنثى التي حملتْ "زما
نَ الوصلِ"، طفلاً، أين منكِ تنكرُ؟!
غادرتني نهبَ القصائدِ والرُّؤى
متجاذبٌ، متداولٌ، متبعثرُ
أهمي حنيناً في ثراكِ، وأنثني،
من فرط ما بي، هائماً يتفكرُ
تلك التي ظمتكَ قد أظمتكَ، وال
أبدُ انتهى، والماءُ معنى مضمرُ!
أفهكذا عشقيكِ يبقَى جذوةً
في الروحِ، تخبو تارةً أو تظهرُ؟!
كم قلتُ يوماً، والهواءُ غلائلٌ
بيضٌ، وطار بنا جناحٌ أشقرُ:
يا نخلةَ الله التي أثداؤها
رُطبُ الحياةِ وظللها المتهصِّرُ!
هُزي بجذعي، إنني لكِ جائعٌ،
وتساقطي كمجرَّةٍ تتكوَّرُ!
أُهديكِ راياتي، شراعاً من دمي،
وخيوطها من مهجتي تتحدَّرُ!
يهنيكِ منه خامة من غيمها
ليعيثَ فيها ذا البهاءُ المُبْهِرُ!
وخُذي بأعناقِ الشعاراتِ التي
قَضمتْ بجسمي أمة لا تشعُرُ!
هذي فلسطينُ كأطولِ كذبةٍ
تاريخها عربٌ تقولُ وتكفرُ!
بغدادُ في "فيلم العروبة" أُحْرقَتْ
والمخرجان "تَأمْرُكٌ" و"تَدَولرُ"!
هزي إليك بجذعها، يلدُ الضحى
طفلين: طفلاً بالأورمةِ يجدُرُ
والآخرُ الطفلُ الذي في خاطري
من ألفِ عامٍ فكرة لا تكبرُ!
يا أنتِ، يا نحنُ، وما يبقى على
كفِّ الزمانِ بطقسا، يا بيدَرُ!
أدري بأنكِ في مخاضكِ، بينما
أهلوكِ حولكِ، هازئٌ، أومُنكرُ!
أدري بأنك حُرَّةٌ، وأسيرةٌ،
ولكِ الجموعُ بأسرها تستأسرُ!
أدري بإطراقِ الجوادِ إذا كَبَا
أو باختلاج القلبِ إمّا يُكْسرُ!
ولقد عملتِ بأن قلبكِ دانةٌ،
أغلى من الأغلى عليَّ، وأنضرُ!
لكنّ عنوانَ الأنوثةِ مشمسٌ،
أبداً، وعنوانَ الذكورة مُقمرُ!
عنوانُ لحظيكِ مقاتلُ مهجتي،
لو كان بي غيري، وبئس تعذُّرُ!
تلك التي قتلتْ فؤادكَ أبدعتْ
قتالها، ولكلّ آتٍ مصدرُ!
فتحرري مني، فمنكِ بدايتي،
ولتغفري حُبي، فمثلكِ يَغفرُ!
لا يقرأ اللغة الولودَ سوى الذي
يحيا الأمومةَ، كلُّ أمٍ تصبرُ!
وأن هنا ببيضاها متوسمٌ
وجه الشروقِ، بسفره مستبصرُ
لا تندمي، لا تحلمي، واستقبلي
أمسي، وبابُ الوعدِ صبحٌ مثمرُ!
تدرين ما قرأت أناملُ ساعتي
في وجهكِ الذاوي، وبردٌ يصفرُ؟
بيتين لفهما الغموض بهامتي،
نعبا، وهذا الكونُ ليلٌ مغدرُ:
"إنْ لم يكن لكَ منكَ طِبٌّ في الهوى
فطبيبكَ الموتُ الذي لا تحذرُ!
لولا دماء الموتِ في مُهجِ الحيا
ما أخْضبَ الماءُ المواتُ المقفرُ!"
تتفتتُ الذكرى الحرونُ براحتي
فأشم منها أنجماً تتحررُ!
غزلتْ برادةَ ذكرياتي غادةٌ
ضوئيةً، تنهارُ فيها الأعصرُ!
تنتباني ريانةٌ بجموحها
لتروح مني ثورة أو تبكرُ
سأظل أرنو ظامئاً لجهامها،
لا مقشعاً عني، ولا هُوَ يُمطرُ!
قَدري أحبكِ أنتِ، يا فتّانتي،
من ذا على قدر المحبةِ يقدرُ!
كم كالفراش نموتُ في أضدادنا!
والحُبُّ بعدَ عداوةٍ هُوَ أشعَرُ!
+++++++++++++++++++++++++++
(*) جامعة الملك سعود
كلية الآداب
+++++++++++++++++++++++++++
|
|
|
|