وكأن ظُلم البعيد قيمة عربية (إيجابية)، في حين أن ظُلم القريب ليس كذلك. ولسان حال الشاعر هنا يحمل ذات الخطاب المعبّر عنه إلى |
اليوم في المقولة الشعبية: (أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمّي على الغريب)، أي أن مبدأ اتخاذ المواقف لا يدور مع الحقّ حيثما دار ولكنه يدور مع العصبية والقرابة حيثما دارا. |
وعليه فإن مسألة القِيَم أوسع مدى، وأوغل تأثيراً في حياة الفرد والجماعة من مسألة الأخلاق والخير والشر، بمعناهما الضيّق. والقيم بصفتها هذه دائمة الحركة والتبدّل، زماناً ومكاناً ومجتمعاً. وإن الأصل اللغوي المشتق منه مصطلح (القيمة) لينمّ على ذلك المعنى الكامن وراءه، أي المعنى المادي، المتضمّن خصلتين، هما: العلاقة المعيارية النسبية بأشياء أخرى نظيرة، وقابلية المقايضة مع تلك الأشياء. وذلك تماماً كقيمة النقود. |
ولعل هذا هو ما حدا ب(موسوعة القَيِم) إلى أن لا ترضى في عنوانها بكلمة (القِيَم) بمثابة مظلّة تنضوي تحتها (مكارم الأخلاق). أمّا أنّ ما حوته الموسوعة فقد انصبّ على مكارم الأخلاق، دون تلك الرؤية الواسعة التي يعنيها مفهوم (القِيَم) حتى لقد غابت قِيَم إنسانية، إسلامية: كقيمة (العمل) على سبيل المثال فقضية أخرى، ستناقش في خطوات المشروع اللاحقة. |
وهكذا، فما هذه القراءة إلا محاولة على هذا الطريق الشاق الشائك من نبش هذا الموضوع نقديّاً، تبشيراً بإمكانية مقاربتها علميًّا، بحيث يوضع (علم القِيَم) بوصفه علماً في مصاف العلوم القاعدية النافعة للمجتمع البشري. ويومئذ، يوم أن ينشأ علم اسمه (علم القِيَم)، ستُستكمل حلقة جوهرية في دراسة الإنسان والحياة الاجتماعية، مازالت إلى اليوم تبدو مجهولة على الرغم من تقدّم العلوم الناشئة في القرنين الماضيين، على أصعدتها |
الشتّى من دراسة الفرد، والمجتمع، والتاريخ، والحضارة. ذلك أن البناء الثقافي الذي تسعى إليه أيةُ أمّة لا يُشاد إلاّ وفق خارطة لشبكات من القِيَم المستحدثة أو الموروثة. ولن تكون تلك الخارطة صحيحة الدلالة في سبيل النهوض والحضارة الإنسانية ما لم تخضع لمراجعة ونقدٍ مستمرين، بعيداً عن الإيمان المطلق بأن كل موروث قيمة وكل سائد حقّ. |
أمّا (موسوعة القِيَم ومكارم الأخلاق)، فما أظنها قد طرحت نفسها للقراء إلاّ وهي ترجو التفاعل، لا تقريضاً فحسب، وإنما أهم من ذلك إحياءً ونقداً، بما يكمل رسالتها ويواصل البناء على ما أنجزته من تأصيل. والنقد هو ما صرّحت نفسُها داعيةً قراءها إليه (1: 29). على أن الناقد ها هنا ما هو إلا أحد قبيلة (غُزَيّة)، إذْ أسهم ولو جزئيًّا في ذاك العمل الموسوعي، وأحد المشاركين في التحكيم وإن بدرجة (استشارية) لجزء واحد من أجزائه. عايش فترة بدايات هذا الجهد المضني الذي كان يضطّلع به الفريق العلمي وإدارة المشروع، وذلك قبل أن ينقطع مسافراً عاماً دراسياً في تفرغ علمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليعود على فرحة إنجاز العمل وصدوره في صورته النهائية. فهو إذن مسؤول، بقدر ما شارك، عمّا لهذه المشروع وما عليه. ولكن أليس أولى بابن القبيلة أن ينقد هو قبيلته قبل أن ينقدها غيره، وقبل أن ينقد غيرها، بل أليس أولى بأن ينقد عمله هو قبل أن ينقد عمل غيره، أو قبل أن ينقده غيره؟ بلى! لقد كان من حق الموسوعة عليه أن ينقدها الآن، كما كان من حقها عليه أن يبدي الرأي حولها مصطلحاً ومنهجاً منذ أول جلسة. ولئن كان قد فعل في الأولى، فأبدى تحفّظه على بعض ما اطلّع عليه منها، فإن قيمة (الشورى)، ثم (الأخذ بأغلبية الأصوات) في الأمر، قد ظلت تقضي أن يؤخذ من رأي كلّ ويردّ عليه، حسب معيار ما تبنته أهداف المشروع أصلاً، وما استقر عليه رأي الأغلبية، ومضت إدارة العمل على منواله. أمّا وقد خرج العمل إلى النور، فقد صار حقاً مشاعاً للقراءة والتقييم، وقد حان أن يرجع إليه واضعوه والمساهمون فيه أنفسهم، قرّاءً كسائر القرّاء، وآن أن يستأنفوا القول في اطروحاته وقضاياه، جملة وتفصيلاً. |
وفي المساق الآتي لنا لقاء. |
إحالات: |
1 (1944)، شرح ديوان زهير بن أبي سُلمى، صنعة: أبي العباس ثعلب (القاهرة: دار الكتب المصرية، 30 |
2 انظر: الفَيْفي، عبدالله، (1999)، شعر ابن مقبل: قلق الخضرمة بين الجاهليّ والإسلامي، (جازان: نادي جازان الأدبي)، 5000 |
3 (1994)، شرح ديوان طرفة بن العبد، عناية: سعد الضِّناوي (بيروت: دار الكتاب العربي)، 113، 115116 |
|
aalfaify@yahoo.com |