Culture Magazine Thursday  13/12/2012 G Issue 389
فضاءات
الخميس 29 ,محرم 1434   العدد  389
 

 

ثمة أمثال شعبية يرددها العرب كثيراً في مجتمعاتهم، دون أن يبحث غالبهم فيما يبدو عن تفسيرٍ عقلي مقنع لها، أو شرح علمي واضح يؤكد صحتها ويثبت أحقيتها في التداول. ومن ذلك مثلاً المثلُ الشعبي العربي الشهير الذي يقول: «عمر الشقي بقي»، والمقصود هو أن عمر الشقي طويل. والشقي في لغة العرب هو التعيس؛ ولكن المثل السابق لا يعني ذلك، بل يعني بكلمة (الشقي) معناها الدارج في لهجاتنا العامية، وهو كثير الحركة والتفكير والعفرتة والنشاط.

جمعني مجلس ثقافي جميل -قبل أسابيع قليلة- بعدد من الأصدقاء، وكان بينهم طبيب تحدث في عدد من المواضيع الطبية الهامة، ومن ذلك شرحه لقاعدة طبية تقول: العضو الذي لا يعمل يضمر ويموت، أو: «العضو الحي الذي لا يستخدم يضمر، ثم يموت».

بحثت مؤخراً عن هذه القاعدة الطبية التي رسخت في ذهني بعد حديث صديقي الطبيب، ووجدتها تنسب إلى أرسطو وغيره، ومعناها صحيح بديهي، وعكسها أيضاً صحيح جميل، فالعضو الذي تستخدمه كثيراً يزيد قوة وتشتد عضلاته وتطول سلامته.

أعود للمثل الشعبي الذي أوردته في مطلع هذه المقالة، فقد كان هذا المثل يخطر على بالي ويلح على ذهني أثناء بحثي عن تلك القاعدة الطبية الذي أخذتها من صديقي الطبيب.

تجاهلتُ في البداية ذلك الإلحاح الشديد، ولكني رضخت في النهاية إلى ضرورة تأمل العلاقة التي تربط ذلك المثل الشعبي الشهير بتلك القاعدة الطبية الثابتة، فأعضاء الشقي لا تضمر بسهولة ولا تموت إلا بعد عمر طويل غالباً؛ لأن صاحبها «العفريت» كثير الحركة والنشاط والتفكير.

فعليكم بالشقاوة والعفرتة والشيطنة إن صح التعبير.. انفضوا عنكم أغبرة الكسل والخنوع والاستسلام والجبن والركود، لتنعموا بأجسادٍ قوية لا تضمر أعضاؤها بسهولة، وبعقول تعيش طويلاً إن شاء الله، بسبب توقد أفكارها الجهنمية.

الحياة معارك والمنتصرون فيها هم أكثرنا حركة في الاتجاهات الصحيحة، وأكثرنا قدرة على تحويل الإخفاقات والخسائر والأحزان إلى نجاحات وأرباح وأفراح.. والمهزومون فيها هم أقلنا حركة جسدية وفكرية، وأسرعنا خضوعاً واستسلاماً لليأس وركوناً إلى الكسل.

وختامًا: أقترحُ على كلِّ من يشعر بضمور في أعضائه الدخول إلى «اليوتيوب» فوراً، لتحفيزها بصوت «أم كلثوم» وهي تكرر -بكل حماس- أجمل ما سمعته منها، وهو قول أمير الشعراء في الدعوة إلى الإقدام والغلاب لتحقيق الآمال في الدنيا:

وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى

أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اغتِصابا

وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي

وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا

وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ

إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِك

- الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة